أجرى المركز المصرى لبحوث الرأى العام « بصيرة» استطلاعا للرأى لقياس شعبية الرئيس محمد مرسى بعد عشرة أشهُر على توليه رئاسة الجمهورية، مستوى رضاء المصريين عن أداء الرئيس ونسبة من سوف يصوتون له إذا ما أُجرِيَت انتخابات رئاسية اليوم، أيضا حاول الاستطلاع معرفة مدى شعبية جبهة الإنقاذ المعارضة ونسبة التأييد الذى تحظى به لدى المصريين. الاستطلاع هو الحادى عشر على التوالى، وبالتالى فقد حقق درجة من التراكم تسمح لنا برسم خط بيانى لشعبية الرئيس ونسبة الرضاء عن أدائه. أيضا فإن مركز «بصيرة» الذى أعد الاستطلاع هو مركز مستقلّ عن الأحزاب والاتجاهات السياسية، كما أنه لا يحصل على تمويل من أى جهة لإعداد هذا الاستطلاع، ومن ثم فهو يتمتع باستقلالية تامة فى عمله. وبنظرة سريعة إلى منهاجية العمل نجد أن الاستطلاع شمل فئات المجتمع المصرى المختلفة اقتصاديا واجتماعيا، ومن ناحية السن والجنس، وأيضا غطَّى معظم محافظات مصر ووازن بين الريف والحضر على النحو الذى جعل العينة العشوائية التى اختارها تمثل صورة مصغرة للمجتمع المصرى.
فى ما يخص رؤية المصريين لأداء الرئيس وتأييدهم لهم فقد تراجع تأييد المصريين للدكتور محمد مرسى على مدار الأشهُر العشرة التى قضاها فى السلطة تراجعا حادا، فقد كانت نسبة التأييد بعد الأيام المئة الأولى ٧٧٪، ثم أخذت فى التآكل إلى أن وصلت فى نهاية أبريل الماضى إلى ٤٧٪، أى أنه فقد ثلاثين نقطة على مدار الأشهُر العشرة التى قضاها فى السلطة، وإذا أمعنَّا النظر فى مدى تأييد المصريين لأداء الرئيس على مدار الاستطلاعات التى أجراها المركز نجدها تراجعت أكثر من ٣٢ نقطة فى الأشهُر الخمسة الماضية، فالتراجع فى الرضاء عن أداء الرئيس بدأ مع إصداره الإعلان الدستورى فى الحادى والعشرين من نوفمبر من العام الماضى، فقُبَيل صدور هذا الإعلان كان الرضاء عن أداء الرئيس ٧٨٪، هبط إلى ٥٧٪، وتحسن قليلا بعد تراجع الرئيس عن الإعلان، إلا أنه واصل التراجع حتى وصل إلى ٤٧٪ الشهر الماضى. ويبرز تراجع شعبية الرئيس بشكل واضح عند تحليل نتائج الاستطلاع فى ما يخص السؤال عن إعادة انتخاب الرئيس فى حال إجراء الانتخابات غدا، فقد تراجعت نسبة من سوف يصوتون للرئيس إذا ما خاض انتخابات رئاسية غدًا بمعدل ٤٢ نقطة، من ٧٢٪ بعد خمسين يوم من انتخابه إلى ٣٠٪ فى نهاية أبريل الماضى، وقد شهدت هذه النسبة تراجُعًا كبيرًا فى الشهر الماضى بمعدل سبع نقاط، وهو الأمر الذى تكشفه أيضا نسبة من قرروا عدم التصويت للرئيس فى حال ترشيح نفسه مرة ثانية وأجريت الانتخابات، فقد ارتفعت هذه النسبة من ١٨٪ بعد خمسين يومًا من انتخابه إلى ٤٥٪ الشهر الماضى.
نأتى بعد ذلك إلى جبهة الإنقاذ الوطنى، تلك الجبهة التى تشكلت كرد فعل على الإعلان الدستورى الذى أصدره الدكتور مرسى فى الحادى والعشرين من نوفمبر من العام الماضى، فقد تعرضت الجبهة لعملية تشويه متعمَّدة من جانب جماعة الإخوان والجماعات القريبة منها، وصفوها بجبهة الخراب، وشكلوا جبهة «الضمير» فى مواجهتها، وأخيرا حمَّلوا الجبهة المسؤولية عن كل أعمال العنف التى جرت وقالوا إنها تقف وراء جماعات العنف المنظمة وغير المنظمة فى المجتمع المصرى، كما وجهوا إلى رموزها أكثر من مرة اتهامات بمحاولة قلب نظام الحكم، وخطف الرئيس والإطاحة به. ورغم كل ذلك فقد نجحت الجبهة فى فترة قصيرة فى الوصول إلى قطاعات واسعة من المصريين، فنحو 69% من المصريين يعرف الجبهة وسمع عنها، والأهم أن المعرفة أعلى لدى الفئات الأعلى تعليما وصاحبة المستوى الاقتصادى المرتفع، كما أن المعرفة بها فى الحضر أعلى منها فى الريف، وحصلت على تأييد نحو 33% من إجمالى المصريين. وإذا كنا نراها مستويات معقولة من المعرفة والتأييد، فإنها تطرح على الجبهة تحديات كبيرة، بخاصة إذا ما قررت خوض الانتخابات بكل قوة والمنافسة على كل مقاعد مجلس الأمة القادم. فبداية لا بد للجبهة أن تصل إلى أعماق الريف المصرى وتقدم نفسها بديلا سياسيا قادرا على إدارة شؤون البلاد بخطة شاملة فى جميع المجالات، ولا بد للجبهة أن تصوغ برنامج يتاعمل مباشرةً مع مشكلات الناس اليومية والحياتية، أيضا ينبغى للجبهة أن تقوم بعملية إعادة تنظيم وبناء هياكلها وتتحول إلى كيان تنظيمى، ويتحقق ذلك إذا ما قررت الجبهة إزالة اللبس فى ما يخص هيكلها القيادى بأن تختار على الفور رئيسا للجبهة يتقدم صفوفها ويكون واجهة لها، وتختار من اليوم أيضا مرشحها لرئاسة الجمهورية وتبدأ فى تقديمه للمصريين باعتباره مرشحها الوحيد فى الانتخابات الرئاسية القادمة، مبكرة كانت أو فى موعدها المحدد بعد ثلاث سنوات، وأخيرا يمكن للجبهة أن تختار أمينا عامًّا لها يخوض الانتخابات البرلمانية ويكون مرشحها لرئاسة الحكومة فى حال حصول الجبهة على غالبية أو أكثرية مقاعد مجلس النواب القادم. إذا قامت الجبهة بهذه الخطوات فسوف تتمكن من زيادة المعرفة بها إلى أعماق الريف المصرى وتوضح هياكلها المؤسسية وقيادتها، الأمر الذى سيصب فى تحسين صورتها وزيادة شعبيتها.