لأول مرة منذ 22 عاما أتأخر بضع ساعات عن افتتاح مهرجان «كان»، كنت أشارك فى منتدى الإعلام بدبى الذى انطلق أول من أمس بحضور شيخ الجامع الأزهر، يبعث وجود شيخنا الجليل أحمد الطيب الكثير من السعادة والطمأنينة فى نفوسنا، وعندما نلتقيه خارج الحدود تصبح القيمة مضاعفة وتصل السعادة إلى عنان السماء.
ألقى فضيلة شيخ الجامع الأزهر الكلمة الافتتاحية فى منتدى الإعلام فى الدورة التى تحمل رقم 12 وسط حضور مكثف وتصفيق يعلو إيقاعه بين كلمة وأخرى. من بين ما قاله فضيلته انتقاده لبرامج الفوضى والفتاوى الدينية الشاذة التى لا ترى سوى سفاسف الأمور، الله عليك يا مولانا وأنت تحدد بالضبط أين موضع الجرح.
يسأل البعض كيف يشارك شيخ الأزهر فى منتدى إعلامى عربى، ما علاقة مشيخة الأزهر بميديا الإعلام، ويتناسى هؤلاء أن الإسلام دين حياة لا دين كهنوت، وأننا بحاجة ماسة لكى نصدِّر إلى الدنيا كلها صورة صحيحة للإسلام الذى انتهكوه بهذه الفضائيات التى تدَّعى الإسلام وهى تسىء إلى هذا الدين الحنيف، عندما نرى من يُطِلُّون عبر تلك الفضائيات تسبقهم نظراتهم الشيطانية متوعدين الناس بنار جهنم، وعندما يشنون حربا على أحد من المعارضين ولا يعرف لسانهم سوى قاموس الشتائم، ألا يستحق ذلك أن يتصدى له شيخنا الأكبر؟ الأزهر منارة لكل المسلمين فى أنحاء الأرض لا لمصر فقط، ومن يسأل لماذا يذهب فضيلته إلى آلإمارات ويعتبر ذلك نوعًا من اللعب بالسياسة، نقُل له إن الأصل هو أن يلبى الشيخ الدعوة للناس كافة، فهو فخرنا وملاذنا.
تعددت الندوات التى تتناول الشأن الإعلامى فى منتدى دبى ومن بينها برامج «التوك شو»، والتساؤل كان عن تلك البرامج، وكانت جلسة مصرية، درية شرف الدين ويوسف الحسينى وشريف عامر والكاتبة أمينة خيرى، وأدارت الجلسة باقتدار ليلى الشويخلى من قناة «الجزيرة»، وكان السؤال عن مصر ووجود المذيع العربى على الشاشة المصرية بكثافة، بخاصة بعد ثورات الربيع العربى، والإجابة هى أنه طالما نجح المطرب العربى فى أن يستحوذ على مساحة من الخريطة الغنائية ولم يسأل أحد عن هويته، فلماذا ليس من حق المذيع أن يمنح له نفس الحق؟ مصر عبر التاريخ لم تضع أبدا حواجز جغرافية تمنع الدخول إليها، وانتقلت دفة الحوار من المذيع العربى إلى القناة العربية، ورغم أن القضية لم تكن قناة محددة فإن الكل توقف أمام «الجزيرة»، هل تراجعت مصداقية تلك القناة على المستوى الجماهيرى، قلت فى اللقاء الذى امتد بيننا إن قناة «الجزيرة» وضعها الثوار فى حدقة العين وكانت «الجزيرة مصر» واحدة من أكثر القنوات فى كثافة المشاهدة خصوصًا فى أثناء الثورة، بل كانت الدولة كثيرا ما تطارد تلك القناة وتغلق مكاتبها وتصادر تردُّدها، إلا أن الثوار فى ميدان التحرير وغيره من الميادين كانوا يسارعون بضبط الموجة مرة أخرى لأن «الجزيرة» كانت تعزف على وتر الشارع. الآن هناك إحساس أن الجزيرة إحدى دعائم النظام المصرى الحالى، لهذا فقدت القطاع الأكبر من الشارع الرافض لحكم الإخوان.
هل الإعلام يراهن على الشارع أم يتوخى الحقيقة؟ هل الشارع دائما على صواب؟ مشاعر الناس تشبه النغمة الموسيقية السائدة ويفضلونها على النغمات الأخرى، البعض يبحث ليس عن قناعاته ولا أفكاره بقدر ما يسعى لكى يقرأ الخريطة ويحدد أين البوصلة ويتوجه إليها، لهذا قد يتغير الخطاب الإعلامى لنفس المذيع خلال ساعات قليلة إذا اكتشف أن الناس فى الشارع يرددون نغمة أخرى.
هل المذيع فى الفضائيات يقدم قناعاته؟ هل نلغى من المعادلة توجهات صاحب المحطة الذى لو اكتشف أن هناك مساسا بنفوذه أو مصالحه فسوف يجبر المذيع على الرحيل أو الالتزام؟
يوسف الحسينى قال إن صاحب المحطة صار يتعامل مع نجوم يحققون كثافة إعلانية، لهذا سيفكر ألف مرة قبل أن يزيح هذا المذيع الذى من الممكن أن تتضاعف شهرته لو أن صاحب قناة قرر الاستغناء عنه، الحقيقة هى أن ساحة الفضائيات تشهد شدًّا وجذبًا واستعراضًا للقوى وعددًا من مقدمى البرامج يتم إعادة تفنيطهم على الفضائيات لأسباب سياسية أو اقتصادية.
نعم تأخرت بضع ساعات عن مهرجان «كان»، ولكن المفاجأة أننى شاهدت فيلم افتتاح «كان» فى «دبى» فى نفس لحظات عرضه فى «كان»، وتلك قصة أخرى أرويها لكم غدًا مِن «كان»!