تلك هى مشكلة مرسى الحقيقية.. أنه لا حصل سما ولا أرض.. مشكلته أنه معلق فى أسانسير الوهم الكبير ومعلقنا معاه.. فهو لا منه ديكتاتور بجد يجاهر بديكتاتوريته وينال من معارضيه ويقمعهم بمنتهى الوضوح والشفافية المعلنة بدون أدنى كسوف واللى مش عاجبه يشرب من البحر.. ولا منه حاكم صالح نعلم أن نواياه طيبة بس الظروف هى اللى معاكساه فنتحمله ونشد من أزره ونقف بجانبه ونمنحه حبنا عن طيب خاطر.. مشكلته أنه يرقص على سلم الحكم.. مشكلته أنه ديكتاتور يحاول إرتداء وش الحاكم الصالح.. مع ملاحظة أن تركيبته النفسية لا تسمح له بأن يكون سوى ديكتاتور.. بينما تركيبته الثقافية لا تسمح له بالنجاح حتى فى مجرد الحكم.. مش الديكتاتورية.. بينما بقى تركيبة الشعب المصرى النفسية والثقافية تأبيا عليه أن يشتغله شخص يعملهم فيها أنه حاكم صالح بينما هو فى الأصل ديكتاتور.. والغريب أن تلك التركيبة النفسية لهذا الشعب الغريب والعجيب والمريب قد تدفعه إلى أن يصبر على ديكتاتور بيقوله أنا ديكتاتور فى وشه بينما لا تصبر على شخص يشكك فى ذكائه ويجيله بعد سبع تلاف سنة صياعة ومرمطة على قهاوى التاريخ ويشتغله.. الأدهى بقى من كل ذلك أنه يا ريته حتى هو بذات نفسه اللى ديكتاتور وبيمثل علينا أنه عكس ذلك.. الأدهى كمان من كل هذا أن أشخاصا آخرين هم اللى ديكتاتوريين وبيحكموا فى الحقيقة.. يعنى نحن أمام شخص بيشتغلنا وش.. عامل فيها طيب وهو ديكتاتور.. عامل فيها رئيس وهو ما بيحكمش.. لهذا.. لا يصح أن يقف تاريخ 80 سنة فى مواجهة تاريخ سبع تلاف سنة.. دا حتى شكلها وحش.. مش للتمانين سنة.. لأ.. للسبع تلاف سنة !
فلتكن ديكتاتورا متوحشا بجد وبشكل معلن وواضح وحاسم وحازم (مش ابو سماعين) وصريح.. ديكتاتورا يعدم معارضيه على عارضات مرمى ملاعب كرة القدم بالجامعات فى احتفالات إعدام سنوية كالقذافى.. أو يعلقهم من أرجلهم بحبال بالية ودايبة وضعيفة فى ماسورة أفقية تمتد فوق حمام سباحة مليء بتماسيح جائعة.. بحيث يرى الباقين زميلهم وهو بيتاكل أمامهم قبل أن ينقطع حبلهم ويتاكلوا هم أيضا مثلما فعل الديكتاتور مع معارضيه فى رائعة ماركيز «خريف البطريرك».. فلتأمر بإطلاق النار العشوائى فى مكان ما من أنحاء البلد كل يوم فى ساعة مفاجئة محددة.. والمنطقة صاحبة أكثر كمية من القتلى تحصل على جائزة أفضل منطقة.. فلتستبدل التماثيل فى الميادين العامة بجثث معارضيك كأعمال فنية حية تدل على مدى ما وصلت إليه البلاد من طغيان وديكتاتورية ونهضة.. إنما نعمل الحاجات الوحشة فى الدرا وفى الخباثة ونلبس الوش الطيب قدام الناس.. ما يصحش.. الحرب خدعة آه.. إنما الحكم مش خدعة !
فلتصارح نفسك بأنك لا تعرف شيئا إسمه رأى آخر.. وهذا طبيعى فيمن نشأ وترعرع فى صفوف الجماعة التى لا يوجد فيها سوى رأى واحد بيتنفذ وخلاص.. وسيبكم بقى من حكاية مجلس شورى الجماعة ومن تلك الحوارات التى ما عدتش تاكل معانا.. فكذبكم على أنفسكم لن يحل المشكلة وكونكم لا تحبون الديموقراطية فهذا ليس عيبا فى حد ذاته.. وإنما العيب الحقيقى هو محاولتكم إشراكنا معكم فى لعبتكم التى اخترتموها.. أنتم أحرار تماما كجماعة دولية تعمل اللى هى عايزاه.. بس مالكمش دعوة بينا ولا بالبلد ولا بقناة سويسها ولا بآثارها ولا بتراثها الثقافى والفنى الذى من المؤكد أنه لا يساوى عندكم بصلة حتى لسبب بسيط جدا.. أنه ليس تراثكم.. وإنما هو تراثنا نحن.. فأنتم شيء ونحن شيء.. أنتم اخترتم طريقكم وأنتم أحرار فى ذلك تماما.. ولكن لا تحاولوا فرض هذا الطريق على شعب بأكمله.. خصوصا لو كان هذا الشعب هو الشعب المصرى الذى حاولت شتى ثقافات كوكب الأرض على مدار العصور الماضية إستعماره وفرض ثقافتها ولغتها عليه إلا أنها فشلت وراحت لحال سبيلها وأفاها بيقمر عيش.. لهذا.. ما الذى سوف تستطيعون أنتم فعله مع ذلك الشعب الذى عدى عليه من هو أنكى منكم وتخلص منهم.. وخصوصا بقى لو قضيتوها تمثيل عليه كما تفعلون وشككتم فى ذكائه ولبستوله وش الطيبة ثم ارتكبتم الخطأ الأكبر وظننتوه مش هارش الإشتغالة.. بينما هو هارش الإشتغالة وهارشكم تماما.. والله مهروشين.. مهروشيييين.. لهذا.. إقلعوا الوش بقى.. لأن الإشتغالة بوَّخت أوى!