ايجى ميديا

السبت , 2 نوفمبر 2024
ايمان سمير تكتب -وقالوا عن الحرب)مني خليل تكتب -اثرياء الحرب يشعلون اسعار الذهبكيروش يمنح محمد الشناوي فرصة أخيرة قبل مواجهة السنغالايمان سمير تكتب -عيد حبعصام عبد الفتاح يوقف الحكم محمود بسيونيمني خليل تكتب -غياهب الايام الجزء الرابعالمصرى يرد على رفض الجبلاية تأجيل لقاء سيراميكا: لماذا لا نلعب 9 مارس؟مني خليل تكتب -غياهب الايام الجزء الثالثمني خليل - احسان عبد القدوس شكل وجدان الكتابة عنديالجزء الثاني / رواية غياهب الأيام كتبت / مني خليلإحاله المذيع حسام حداد للتحقيق وإيقافه عن العملتعاون بين الاتحاد المصري للدراجات النارية ودولة جيبوتي لإقامة بطولات مشتركةغياهب الايام - الجزء الاول - كتبت مني خليلاتحاد الكرة استحداث إدارة جديدة تحت مسمى إدارة اللاعبين المحترفين،كيروش يطالب معاونيه بتقرير عن فرق الدورى قبل مباراة السنغال| قائمة المنتخب الوطني المشاركة في نهائيات الأمم الأفريقية 🇪🇬 .... ⬇️⬇️اللجنة الاولمبية تعتمد مجلس نادي النصر برئاسة عبد الحقطارق رمضان يكشف سر عدم ترشح المستشار احمد جلال ابراهيم لانتخابات الزمالكنكشف البند الذي يمنع الدكتورة دينا الرفاعي من الاشراف علي الكرة النسائيةوائل جمعة نتتظر وصول كيروش

..ورحل رافع الراية

-  
نشر: 16/5/2013 4:10 ص – تحديث 16/5/2013 9:10 ص

لا أتذكر متى التقينا، ربما فى عام 1999، عندما كنت عضوا بالحزب الناصرى. آه تذكرت، رأيته أول مرة فى ندوة نظمها الحزب عن تشريد العمال فى ظل الخصخصة التى كان يقود قطارها فى تلك الفترة عاطف عبيد. كان أحد المتحدثين بجوار الراحل أحمد شرف. لم يتكلم كثيرا، لكن قال كل شىء. ترك مساحته لشهادات العمال الذين جاؤوا من المحافظات. كان يعرف كل عامل بالاسم، شركته، مشكلته، عدد أولاده، سبب فصله، إلى أين وصلت قضيته. تحدث فى الندوة أكثر من 15 عاملا، وهذا ما لفت انتباهى، القدرة على حفظ التفاصيل الصغيرة للغلابة، وهى ميزة لا تتوافر فى كثير ممن يتبنون قضاياهم.

ذهبت إليه بعد انتهاء الندوة وتعارفنا. أثنيت كثيرا على كلمته القصيرة، فانحنى شاكرا فى أدب جمّ. فسألت عنه الصديق معتز بالله عثمان المحامى فقال: دا خليفة القديس نبيل الهلالى. انزعجت من التشبيه، واستخدام كلمتى «خليفة وقديس».

لم نلتق بعد ذلك كثيرا. حتى رأيته وهو يهتف على سلالم نقابة المحامين مطالبا بالحرية لنقابة الحريات، فى أثناء فرض الحراسة القضائية عليها. كان يهتف من قلبه، وهو ما جعل الدائرة الصغيرة التى كانت تردد هتافه، تتسع. وعلى الفور هرولت قوات الأمن المرابطة فى شارع عبد الخالق ثروت، حتى لا تخرج أعداد المحامين -التى أصبحت كبيرة- إلى شارع رمسيس.

فى تلك الفترة كان معظم أصدقائى من المحامين معتصمين داخل النقابة طلبا لرفع الحراسة وإجراء انتخابات. وكان يظهر فى الاعتصام ليلا ويختفى نهارا، لكنه لا يظهر إلا وفى يديه «الإعاشة» -سندوتشات الفول والطعمية والبطاطس- ثم يداعب الجميع: «اللى محتاج طرشى يقول، اللى عاوز زيادة مايتكسفش». وللاعتصامات قواعد يحفظها، أولها وأهمها: الكل يخدم الكل. وهذا بالضبط ما رأيته، فعندما جاء دوره فى عمل الشاى للجميع، لم يتحرج أو يتذمر، بل بالعكس قام بمنتهى الهمة رافضا كل العروض التى حاولت القيام بالمهمة بدلا منه، حتى إنه قال لمحام صغير: «عيب يا زميل دا شرف ليا إنى أخدم الناس المحترمة دى».

جمعتنا ندوات ومظاهرات كثيرة، تقريبا لم أشارك فى مظاهرة إلا ورأيته، مبتسما، متفائلا، متصدرا الصفوف الأولى.

لا يمكن أن أنسى أبدا صورته وهو يحمل راية حزب التحالف الشعبى فى إحدى المظاهرات.

لكن هناك موقفا ظل يربطنا بعد فترة من لقائنا الأول. كنت مع صديقى معتز على قهوة «الندوة» فى وسط البلد، وقابلناه صدفة فظلا يتحدثان عن أمور قانونية لا أدعى أننى أفهمها، ورأيت بجواره كتاب «الإسلام السياسى» للمستشار سعيد العشماوى، فاستأذنته فى تصفحه، فكان رده: «ممكن تقراه وترجّعه.. ترجّعه مش تضرب عليه». ضاع الكتاب مثل كتب كثيرة، ضاعت بسبب عجزى وعدم قدرتى على دفع إيجار الشقق والغرف التى كنت أسكن فيها وأتركها بلا عودة.

بعد هذا الموقف كنت أتعمد أن لا يرانى فى مكان حتى لا يسألنى عن الكتاب، لكن رآنى وسألنى: فين الكتاب؟ ضاع وأنا بعزّل. طب ابقى فكرنى أجيب لك نسخة تانية، عشان كل ما أشوفك أقولك فين الكتاب وتتكسف كده.

عندما حدثت أزمة «الدستور» كان من أول الحاضرين إلى الجريدة معلنا تضامنه الكامل واستعداده لاتخاذ أى إجراء قانونى دون مقابل، واستضاف فى مكتبه أول اجتماع لعدد من المحامين الذين تبرعوا لتبنى قضية صحفيى «الدستور».

بعض المحبة ينشأ عن بعد.. ومحبة هذا المحامى الكبير، مقاما وعلما وخلقا وإخلاصا وايمانا بعمله، كانت مضرب المثل بين كل العاملين فى مجال الحقوق والحريات. لم أسمع مرة أحدا يتكلم عنه بسوء. لذلك لم يكن غريبا أن يظل بمنأى عن الاتهامات المتبادلة حول التمويل الأجنبى لمنظمات حقوق الإنسان، عندما كانت المعارك على أشدها، والاتهامات بالعمالة، والتخوين، وبيع القضية -أشهر اتهام فى أوساط اليسار- تتطاير فى وجه الجميع، كان يجرى بين قاعات المحاكم، وعنابر المصانع والشركات لاسترداد الحقوق المسلوبة من العمال والمشردين والمغلوب على أمرهم، ولسان حاله: لا نريد جزاء ولا شكورا.

نجا من الأمراض المتوطنة فى اليسار المصرى، حافظ على ما تربى عليه، وتمسك بما آمن به، دون افتعال أو تزيّد. لم يتاجر بقضية، لم يتكسَّب من موقف، وظل وفيًّا للمبادئ الأساسية التى تعلمها من أستاذه نبيل الهلالى.

لا نعرف معنى الموت، الفقد، الغياب، إلا مع الرحيل المفاجئ للأحبة أو الأصدقاء.

رحل المحامى النبيل سيد فتحى عن عالمنا..

لكن أكيد، رحل وهو راضٍ عن نفسه.

التعليقات