هل كل الشائعات التى تلاحق الفنانين بالموت هى بالضرورة تحمل فى عمقها حقدا أسود أم أنه ربما هناك وجه آخر للصورة؟
ألا يمكن أن يلعب فرط الحب دورا ألم يقل شاعر لبنان الكبير بشارة الخورى فى قصيدته «جفنه علَّم الغزل» التى غناها عبد الوهاب قبل 70 عاما «ومن الحب ما قتل» هل نعتبر هذه الشائعات حبا قاتلا؟
اللحظة الحرجة ليست فى سريان شائعة الموت ولكن فى تكذيبها، عندما تتحدث تليفونيا إلى المتوفَّى أقصد الذى لاحقته الشائعة ولا تدرى ماذا تقول له «إزّى الصحة، إزّى الحال، أخبارك إيه، الجو عامل إيه عندكو، وحشتنا، الآخرة أحسن ولّا الدنيا».. وفى العادة لست أنت صاحب المكالمة الأولى، عشرات من التليفونات قد سبقتك وينتهى الأمر بأن يزيح عنك المتوفَّى الحرج ويقول لك «عليك واحد».. أنا حىٌّ أُرْزَق.
آخر مَن لاحقتْه تلك الشائعة حسن حسنى، كان الفنان الكبير قد عاش فى الأسابيع الأخيرة حالة شديدة القسوة من الحزن عندما فقد ابنته وأخته فى أيام قلائل، يبدو أنها باتت ظاهرة فى العامين الأخيرين خصوصا بعد ثورات الربيع العربى، حيث تعددت هذه الشائعات وليس لدىَّ تفسير سياسى، ولكن ربما لأنه فى العادة الإعلام صار مهموما بمتابعة المظاهرات والإضرابات فى دول الربيع وغيرها، فإن البعض يتصور أنه من الممكن أن يرحل فنان ولا يدرى الإعلام عنه شيئًا، ولهذا يسارع الناس عبر شبكات التواصل الاجتماعى إلى تبادل الخبر وهم حزانَى وغير مصدقين للخبر إلا أن مجرد السؤال عن مدى صحته يؤدى إلى انتشاره.
بعض الفنانين قرؤوا خبر رحيلهم فى العام الواحد مرتين مثل عادل إمام ورجاء الجداوى، بينما صباح ثلاث مرات والقائمة بها العديد من الأسماء ومن مختلف الأعمار: نادية لطفى وعمرو دياب وتامر حسنى ومحمد سعد وشادية وفاتن وغيرهم، لا يخلو الأمر أحيانا رغم بشاعته من طرافة، مثلًا قال مروّجو شائعة محمد سعد إنه كان يجرى عملية زرع شعر فلاقى حتفه بسبب خصلة زائدة، والمعروف أن سعد سعيد بزيادة المساحات الصحراوية فى فروة رأسه وهو لا يرتدى الباروكة إلا على سبيل إثارة الضحك وهو ما يفعله فى العديد من أفلامه.
فى العادة يعتبرها الفنان إشاعة مغرضة أطلقها حاقدون أو ربما منافسون رغم أننى لا أراها كذلك، شائعة الموت لا تعبر بالضرورة عن حقد أسود فى نفوس مَن رددوها لأن الحب أيضًا من الممكن أن يسهم فى إطلاقها وذيوعها، الناس عندما تحب إنسانًا تدعو له بطول العمر، وهذا يعنى أن المحرك الأساسى لهذا الدعاء هو خوفهم عليه من الموت، فهم فى أعماقهم يخشون من الحقيقة الوحيدة والمؤكدة فى نهاية المشوار، ولهذا بمجرد انطلاق الشائعة ومن فرط حبهم يسهمون فى انتشارها، الكل يعبر عن حزنه ويتحدث إلى صديقه ليواسيه وهو فى الحقيقة يواسى نفسه، من الممكن أن ترى الوجه الآخر لشائعة الموت وهو تطرف فى الحب حتى ولو كان حبًّا مرضيًّا، أستبعد نظرية المؤامرة لأن تكذيبها لا يستغرق سوى دقائق أو ثوانى فى لقاء مع إحدى القنوات وينتشر الخبر عبر «يوتيوب»، ويكتسب الفنان بعدها نقاط حب لدى جمهوره، إذا كان غائبًا عن الحياة الفنية تصبح الفرصة مهيأة لإثبات الحضور، وإذا كان لديهم غضب من أعماله الأخيرة فإنهم يسارعون بفتح صفحة جديدة معه، بل قد يرون ملامح إيجابية فى الأفلام والأغنيات التى رفضوها من قبل. الغيرة أو حتى الحقد قد يشكلان وجهًا واحدًا للصورة ولكنهما ليسا الوجه الوحيد، وإذا كان مثلًا تامر أو عمرو أو سعد أو عادل أو حسن حسنى فى الساحة وهناك من يثير ضدهما الضغائن، فهل فاتن وشادية وصباح فى منافسة مع أحد؟!
«بحبك موت» هو أحد أشهر التعبيرات عن الحب فى مصر و«تقبرنى» تعبير آخر بالشامى، أى أننا نخلط فى ثقافتنا الشعبية الراسخة بين عمق الحب وبشاعة الموت. فى القانون جريمة يعاقب مرتكبها بالسجن مدى الحياة وهى ضرب أفضى إلى موت، وأرى أن شائعة الحب من الممكن توصيفها بأنها حب أفضى إلى موت، إلا أنه وكما قال الشاعر «ومن الحب ما قتل»!