(1)
بعد أكثر من عامين على انطلاق الموجة الأولى للحراك الشبابى ـ فى المقام الأول ـ الشعبى، فى 25 يناير، يمكن القول إن هناك كتلة شبابية طالعة جديدة حية لها ملامح تتسم بها تختلف جذرياً عن أجيال الشباب التى تنتسب لأزمان سابقة.. حاولنا على مدى العديد من المقالات أن نقترب منهم، من خلال كتاباتهم وإبداعاتهم ومواقفهم.. ونؤكد أننا أمام جيل «طالع» مختلف تماماً عمن قبله.. ومن ثم لابد من التعاطى معه بشكل مغاير.. كما حذرنا فى مقال سابق عنوانه «اغتيال المستقبل» من ظاهرة قتل وخطف ما يعرف بـ«الأدمن»؛ (الأدمن هو المسؤول عن الصفحة الإلكترونية المسؤولة عن توصيل ما يدعو له من أفكار وتوسيع دائرة الحلفاء وتعبئتهم للحشد/ للضغط من أجل التغيير).. كان تحذيرنا ينطلق من أن هؤلاء ثروة ذهنية وحركية لمصر يجب الحفاظ عليها.. ولا ينبغى أن نسمح- مهما كان الخلاف بين القوى الوطنية - أن تغتال مستقبل مصر أياً كان انتماؤه السياسى.
(2)
إلا أن الملاحقات التى يتعرض لها الشباب الآن وبنفس الآليات التى كانت متبعة فى أزمنة فائتة تعكس أن هناك «جمودا سلطويا» لم يفهم بعد أبعاد «الرفض» الشبابى.. وخاصة أن السياق الذى كان يسمح بتقليم أظافر الشباب الرافض أو ترويضهم أو تحييدهم أو إقصائهم فى مراحل تاريخية سابقة لم يعد هو نفس السياق.. كما أن الشباب من حيث طبيعتهم قد اختلفوا جذريا.
(3)
نحن أمام مجتمع غير مستقر و«بعافية»، وأمام شباب يجتهد بنفسه ليشُكل رؤاه وتصوراته بعيداً عن مؤسسات التنشئة والتعليم التقليدية: الأسرة ودور العبادة والإعلام والتعليم. وعلى مدى عقود منع من ممارسة السياسة وأى دور مجتمعى. فآخر جيل تلقى تثقيفاً سياسياً منظماً كان جيل منظمة الشباب أو ما عرف لاحقاً فى الأدبيات السياسية بجيل السبعينيات.. حتى ما كان يعرف بالخدمة العامة فقد ألغيت ـ فيما أظن ـ منذ الثمانينيات.. واجتهدت السلطات على مدى عقود بشتى الوسائل لمنع أى ممارسة سياسية فى الجامعات.. وهكذا تم تعقيم الحياة من السياسة وعزل الشباب عنها.. ولم ينتبه أحد إلى أن مرحلة الشباب ـ علميا ـ تقترن بالرفض: سلبياً كان أو إيجابياً، ناعماً كان أو خشناً،...إلخ.. حتى الرياضة لم تستطع السلطة أن توفرها للشباب، فلقد أصبحت تتوفر لمن لديه القدرة المالية.. وحتى الساحات العامة التى كانت تنظم فيها ـ شعبيا ـ دورات الكرة «الشراب»، أصبحت تراثاً.. وبعد؟
(4)
لم ندرك أن غلق كل الأبواب كى يعبر الشباب عن أنفسهم يعنى أن يؤسسوا للبدائل بأنفسهم.. وعندما بدأ الشباب فى تكوين بدائل ـ على اتضاعها ـ حاول البعض الأكثر انفتاحا فى السلطة أن يحتويها، من خلال مؤسسات الدولة مثلما تمت المحاولة مع بعض فنانى الجرافيتى مبكرا قبل 25 يناير.. ولكن هناك من تعامل مع محاولات الشباب البديلة باعتبارها «جنوحا» وخروجا على النظام العام.. وفى كل الأحوال لم ننتبه إلى أن الرفض الشبابى لم يعد حالة نفسية فردية وإنما حالة جيلية شاملة واكبتها أزمة مجتمعية مركبة.. تلاقيا فى 25 يناير.. ولأن الحل لم يكن جذرياً فيما يتعلق بالأزمة المجتمعية المركبة ومن ثم فهم سوسيولوجيا الشباب الجديدة.. عادت السلطة تستدعى وسائل من أزمنة فائتة تعكس مدى جمودها فى إدراك أننا أمام رفض مجتمعى كتلته الأساسية كتلة حية أساسها الشباب.. ما يحتاج إلى استجابات مبدعة لواقع مغاير.. ونواصل.