شهد تاريخ مصر الحديث عدة مشروعات ضخمة تم تسويقها للشعب على أنها مشروعات متميزة ولها منافع اقتصادية كبيرة ومستقبلها باهر، منها مشروع توشكى ومشروع فوسفات أبوطرطور وشرق العوينات ومنخفض القطارة وغيرها الكثير. كل هذه المشروعات لم تتم، بعضها كان معروفاً قبل بدئه أنه فاشل لا محالة مثل مشروع توشكى، ولكن البعض أقنع مبارك بأن «توشكى» سوف يكون المشروع الذى يمجده ويحفظ اسمه فى التاريخ، وفشل المشروع بعد أن صرفنا ما يقدر بحوالى سبعة مليارات من أموال هذا الشعب الفقير لينتهى المشروع الضخم قزماً صغيراً.
ولأن هناك طرقا كثيرة للتهليب ليس بالضرورة منها السرقة المباشرة وإنما مجرد جلب منافع للشريك المصرى أو العربى بترسية عطاء كبير عليه لأن وضع كراسة مواصفات على مقاسه أمر أخطر من السرقة المباشرة لأنه يحتوى على تخطيط سرقة المحروسة.
على الدولة أن تجيب عن عدة أسئلة قبل بدء المشروع أولها أن هذا المشروع يجب أن يخضع فى كل خطواته وتفصيلاته للشفافية الكاملة. وهنا يأتى السؤال الأول: ما هدف هذا المشروع بدقة، وهل هو جزء من الاستراتيجية الكاملة للدولة والتصنيع؟ إجابة هذا السؤال بدقة أمر أساسى لنجاح هذا المشروع، والشفافية ضرورية على أن يتم إلغاء البند الذى يقول إن ميزانية الهيئة غير قابلة للمناقشة فى البرلمان.
ثانياً: إذا كان هذا المشروع سوف ينتهى كما هو متوقع بأن يتم إقامة بعض الصناعات الملوثة للبيئة وكثيفة الاستخدام للطاقة مثل الأسمنت والسيراميك مع بيع بعض الأراضى للأجانب فى وجود شركاء مصريين، فيكون هذا هو المشروع الكارثة لأن هذا ما نخافه فعلاً ونشك فى حدوثه فى غياب الرؤية الشاملة والرغبة فى خدمة بعض دول الخليج بشراكة مصريين لهم نفوذ مع جماعة الإخوان.
ثالثاً: نريد أن نرى تخطيطاً مستقبلياً كاملاً لهذه المنطقة يراعى مستقبل الصناعة مع وضع تصور تحالفات استراتيجية مع أصحاب التكتلات الكبيرة فى المستقبل. ولا يكون استثمار الممر الملاحى هو فقط أساس المشروع وإنما الصناعات التكميلية القائمة على أن ينتج جانب كبير منها محلياً على أن تتطلب المشروعات عمالة كبيرة العدد عالية الكفاءة والتدريب لتكون نواة فى بنية صناعية حقيقية.
رابعاً: حسناً لقد أشرك المشروع المعدل الجيش وهيئة قناة السويس بعد أن تم نسيانهما أو تناسيهما فى النسخة الأولى من المشروع. وأنا أعتقد أن إضافة سيناء للمشروع أمر مهم وأساسى ويجب أن يتم فى الدراسة نفسها لأنه سوف يضفى قيمة كبيرة للمشروع ويقلل من خوف المصريين على ضياع سيناء مع تلبية طلبات الجيش لضمان الأمن القومى.
خامساً: هناك أمور يجب أن يتم توضيحها بصراحة، لماذا لم يطرح هذا المشروع فى مناقصة أو مسابقة عالمية ويتم اختيار الأفضل؟ وهناك خبرات كبيرة فى هذا المجال مثل الخبرة اليابانية، ولماذا تم إعطاؤه لشركة إسبانية بالذات؟
سادساً: يجب عمل إصلاح جذرى لمشروع القانون الذى فنده المستشار طارق البشرى وأوضح أنه يخالف الدستور وسوف يحكم بعدم دستوريته وتصبح منطقة من مصر ملكاً خاصاً معفياً من الضرائب وعدم جواز الحجز الإدارى عليها حتى فى مدارسها وتفقد الدولة سيطرتها حتى على الموانئ والمطارات والمدارس والمستشفيات.
وأخيراً: يجب أن يكون الشعب المصرى كله متيقظاً تماماً حتى يحقق المشروع أهدافه ولا نقع فى توشكى آخر، ولا بد من وجود قوى ضغط شعبية على مستوى مصر كلها وعلى المستويات المحلية فى مدن القناة للتأكد من أن المشروع فى الطريق الصحيح وإحدى الجماعات التى تستحق التشجيع هى الجبهة الشعبية لمحور قناة السويس، ومن نشطائها المهندس فادى رمزى والمهندس أشرف دويدار والأستاذة رشا قناوى والمهندس وائل قدور وغيرهم؛ فلنستمع إليهم جيداً ونأخذ وجهة نظرهم بكل احترام ونأخذ المفيد من آرائهم، ولهم كل الشكر على تطوعهم لدعم هذا المشروع عن طريق إبعاده عن المسارات الاستراتيجية الفنية الخاطئة وأن يكونوا جهاز إنذار ضد أى شبهة فساد.
هذا مشروع كبير يؤثر على مستقبل أبناء مصر فيجب أن يدرس جيداً ويتم التأكد من أنه سوف ينفذ بأحسن الطرق وطبقاً لأحسن الدراسات، وألا يفصل منطقة القناة عن الوطن كما حدث فى مشروع قناة السويس منذ إنشائه، وحتى تأميم القناة عام 1956، وحذار حذار من الفساد المباشر وغير المباشر الذى يتمثل فى دول أو أفراد أجانب أو مصريين.
قوم يا مصرى.. مصر دايماً بتناديك.