على عكس التصورات السائدة يسبب الإحباط المتولد من الأوضاع العامة والإخفاقات الخاصة نوعًا من السلام النفسي البسيط الناتج عن تبلد المشاعر. فبعد فترة تصبح الهزائم أمراً متوقعاً، وتشعر بنوع من التأقلم مع إحباطك الخاص، البعض يستعين بوسائل مساعدة خاصة كالانغماس في الممارسات الدينية، أو محاضرات التنمية الذاتية، وأحياناً المخدرات ليحصن يأسه وإحباطه المستمرين.
في حديث مع الذات تقول لنفسك: «وماذا سنفعل؟»، نحن في منطقة ملعونة بالبترول وموقعها، وآلاف الأصابع ترغب باستمرار اللعب والتحفير لصالح بقاء نفس شبكات المصالح والقوانين. هناك قوى سياسية عالمية ودول وإمبراطوريات وسلاح يسافر من الشرق للغرب وسنة وشيعة ومحور الشر وكلام آخر لا داعى للتوسع فيه. أضف إلى ذلك أنني لن أسألك ما الذي يمكن فعله في الحالة السورية؟ لكن ماذا نفعل مثلا في مصر؟
تدرك جيداً أن المعركة مع تيارات الإسلام السلطوى ومنها الإخوان ليست فقط معركة سياسية، بل هي اختلاف جذري حول مفاهيم أساسية كالحرية والعدل وحدود ممارسة الاستعباط والفهلوة. أضف إلى ذلك هذا المصطلح «الهوية» الذي قاموا بإفساده ليتحول إلى مرآة تعكس تصوراتهم الجامدة عن المجتمع وعن الشكل الذي يجب أن يكون عليه. المجتمع المبتلى أصلاً بالنفاق والتناقض بين المظهر والجوهر الذي يفرض الرقابة على الجنس في الأفلام ويسمح بالاغتصاب في الشوارع، مجتمع يقدس الذقن ويعلى من المئذنة وصوت الأذان لن يكتب صوت الحق والكلمة في وجه السلطان الجائر.
ثم ماذا لو سقط حكم المرشد؟ ماذا نفعل؟
الحياري والملتاعون يشعرون بالقلق الدائم لا أعرف لماذا. وحينما يرغبون في التحرر من هذا الحكم الاستبدادى الذي يشوه معنى الديمقراطية، ويفشخ أي مفهوم عن العدالة والسلطة القضائية لا يفكرون سوى في البيادة العسكرية أو يكتفون بالتحسر على أيام مبارك.
لديك خيار مثل المجانين السابحين خارج التاريخ، يمكنك أن تنضم إلى جوقة البكاء مع محمد فؤاد أو التهليل والهتاف خلف حكيم للجيش العظيم والبيادة والدبابة، لكن تذكر أن الجيش نار. والنار بتعمل واوا. ثم ما الذي يستفيده الجيش العظيم من إنقاذك من استبداد الإخوان؟
لا شيء بالطبع. واللواء السيسي شخصياً لم يعد أمامه إلا أن يظهر فوق الدبابة ويمسك المصحف ويقسم عليه بأنهم لن يلعبوا مع أي طرف سياسي، وإن كان هذا لا يمنع أنهم أحياناً قد يحتاجون دعمهم.
بين هذين الفئتين البائستين: المستبدين بغطاء الإسلام وفلوس القروض الربوية، والمستبدين لاعقي البيادة العسكرية. هناك فئة أخرى تدرك أننا في القاع، ولا تخشى السقوط، فأوراق الشجر تتساقط عليها. وإذا انتظرنا إلى الغد حتى يأخذ الشاطر فرصته كاملة فسنكون كلنا في السجون أو ضحايا للتعذيب، وهذه ليست نبوءة بل واقع يحدث بالفعل..
عمليات الاعتقال والقبض وتلفيق القضايا للنشطاء السياسيين هي الإنجاز الأهم الذي تقوم به حكومة الإخوان المسلمين الآن، والنائب الخاص الذي ينسى موعد التقدم بطعن على قضية موقعة الجمل يطلق الكلاب البوليسية للقبض على أي شاب يرتدى اللون الأسود، ويبدو على وجهه الاشمئزاز من الواقع الزنخ، وفي محاكمات سريعة يلقى بشباب في السجون لسنوات تصل إلى الخمس.
إنهم لا يقتلون الجياد أيها الإخوة، بل يحبسونها في الإسطبل ويخصونها ويسعون لقطع أربطة مفاصلها لمنعها من الحركة، ولهذا فأستراليا أوقفت تصدير المواشي لمصر.
يمكنك أن تستسلم للاكتئاب والإحباط واليأس، وتريح وترتاح. لكني أعرف أنك أبداً لن ترتاح. لأن الحيوان سيظل يركب عربة مترو السيدات، ويمد يده إلى جسدك في الشارع. وسواق الميكروباص سيرفع الأجرة ويستعرض بلطجته عليك. وأنت ابن ناس كويسة، عايز تمشى جنب الحيط.. وهذا ما أحاول شرحه لك يا أخى.
يجب أن تتمرد الآن من أجل أن تجد لنفسك حيطة تسير بجوارها..
تمرد لأن لا شيء آخر لتخسره..
تمرد لأن هذا الملل لن ينتهي، تمرد لأن المستقبل مجهول، لكن الحاضر يمكن صناعته الآن، تمرد لأن الدستور والقوانين كلها لم تعد إلا أوراقًا مبرومة على شكل قرطاس فوهته منتصبة في كل مكان تحاول الجلوس فيه والاحتماء به من الخارج، تمرد لأن اللمة بركة، ونحن شعب زياط، وآن الأوان لأن نزيط معاً زيطة رجل واحد.
تمرد من أجل فرصة ضئيلة جدًا، كأنها ضوء حلم ينفذ من ثقب الباب، حلم بدولة يعاد بناء قوانينها وتشريعاتها لخدمة أفرادها لا لخدمة أي من سلطاتها، ومجتمع أقل تناقضاً وأكثر قدرة على الاستمتاع بالحياة واحترام الاختلاف..