(1)
كيف تصرفت الحيوانات مع الفأر؟
هذا السؤال يفترض أن يحفظ طالب الصف الثالث الإعدادى إجابته لأنه موجود بكتاب القراءة ص 32.
فهل رأيتم يوما طالبا في الصف الثالث الإعدادى؟
نعم.. إنه هذا الكائن الطويل ذو الصوت الأجش الذي يبتسم بسماجة وهو يعطل أبواب المترو، وإذا أراد أن يحلف يمد يده إليك قائلا: وعهد مين ده.. قول وعهد الله.
تخيل هذا الفتى يسألونه عن الحيوانات والفأر.. فهل عرفت الآن لم يبتسم بسماجة؟
القصة التى يحفظها الطلبة هي عن فأر قال لدجاجة إنه رأى مصيدة فالدجاجة قالت «أنت المقصود بالمصيدة فلا تقلقنا وما شأننا» والبقرة قالت له كذلك.. فانتبه الفأر وسقط بدلا منه فى المصيدة ثعبان.. وعندما حاولت سيدة المنزل الإمساك بالثعبان لدغها فاضطر صاحب المنزل لبيع البقرة للإنفاق على علاج زوجته، وأكلوا الدجاجة لتساعد الزوجة على الشفاء ولم يبق على قيد الحياة إلا الفأر.
أشك أنك فهمت أى شيء.. لا تقلق فالعيب ليس فيك.. عموما هم كانوا يقصدون كتابة قصة عن الاتحاد.
القصة الركيكة التى لا ترقى لتكون كارتونا تافها في سبيس تون تدرس لفتى طويل عريض عنده 15 سنة في الصف الثالث الإعدادى.
هذا هو المعنى الحرفى لجملة «انتقاص مهين للرجولة».
(2)
كيف يدرسون هذا الكلام الفارغ لصغارنا؟
تتساءل غاضبا.. لكن صدقنى إذا واصلت ترديد هذا السؤال فستخسرنى للأبد.. أنصحك أن تبتعد تماما عن جو «صغارنا» هذا.. ليسوا صغارا إطلاقا.. كائن الصف الثالث الإعدادى الذي يتحرك أحيانا فى جماعات فى العيد مستهدفا أي مخلوق بشري له شكل أنثى ليس «صغارنا».. ليسوا صغارا حتى إن لم يعترف أحد بهذا.
(3)
«بيتفلسف» هكذا يقال على أى شخص يؤلف نظريات من عنده.. فهل أتاك حديث تدريس الفلسفة لطلبة الثانوي في بلدك؟
الشاب الذي يدرس الفلسفة يحفظ النظرية ويحفظ نقدها، فمثلا مذهب مسكويه مكتوب ملخص له في كتاب الفلسفة للصف الثالث الثانوي فى ص 89، أما نقد المذهب ففى 3 نقاط في ص 91، وهكذا فالطالب يدرس المذهب ثم يحفظ نقد المذهب في 3 نقاط.
ثلاث نقاط بالعدد، إن أهملت منها واحدة لأنك تراها غير مهمة ستنقص درجة وإن أضفت إليها نقدا آخر فستنقص درجة.
«احفظ فلسفتك بنفسك».. لا أجد تعليقا.. فكل الألفاظ البذيئة التى تعلمتها لسنوات في حوارى السيدة ليست مناسبة للحدث.
التعلم عمل إيجابي، وإذا لم يبدع شاب عمره 17 سنة ليشكل موقفه الشخصي من الفلسفات المختلفة، فما جدوى تعلم الفلسفة والعلوم النظرية كلها من الأساس؟
هذا امتهان منظم لعقلية شاب في مقتبل حياته، فلطالما رددنا قصة «أسامة بن زيد» باعتباره «النموذج» لشاب يصل إلى القيادة وهو في الثامنة عشرة، ولطالما ثرثرنا حول أن فلانا في الغرب حصل على الدكتوراة في الـ 17 من عمره.. بينما هذه هى نفس السن التي يحفظ خلالها الطالب عبارات مثل «حالة الطناش الإسلامية الشنيعة» للإجابة عن أسباب أزمة السودان.
«حالة الطناش الشنيعة».. هكذا كتب بكتاب الجغرافيا المقرر على طلبة الصف الثانى ص 114.
فركاكة خيال قصة الفأر لا ينافسها إلا ركاكة الأسلوب فى «حالة الطناش الشنيعة».. والطالب الذي تشتعل غريزته الوليدة ولا حديث له مع أصدقائه الطلبة المراهقين سوى عن الجنس يتلقى معارفه الجنسية من مصادر مشوشة تضر ولا تنفع، بينما قررنا أن ندرس له ماذا فعلت الحيوانات مع الفأر.
(4)
أنت تتصور أن الحل في تعديل المناهج لتلائم «صغارنا».
خطأ الحل أن يعود الكتاب المدرسي مجرد وسيلة لحث الطالب على البحث عن المعلومات ومناقشتها مع معلمه، وهو ما لن يتم إلا بإعادة النظر في طرق التدريس وشكل الاختبارات.
والأهم من ماذا نُدرس «لصغارنا الذين عمرهم 18 سنة» بالصف الثالث الثانوي في المدرسة.. هو ألا يكون «صغارنا» رهينة للمدرسة أصلا خلال هذه السن، فلا تعليم مدرسيًا يليق بمخلوق بشري عمره 18 عاما.. مكانهم الجامعة حضرتك.
من حقنا الحصول على تعليم أسرع وأفضل.. فلا مبرر لإلحاق الطفل بالصف الأول الابتدائي في سن متأخرة جدا تصل إلى سن السابعة والنصف في المدارس التجريبى الحكومية، وكذلك يمكننا إلغاء الصف السادس الابتدائي الذي أضيف مؤخرا أو إعادة النظر في جدوى وجود سنة مثل أولى ثانوى من الأساس.
هكذا نحول من نسميهم صغارنا من عالات إلى كائنات منتجة، بينما نوفر جهدنا لتقديم تعليم حقيقي إلى صغارنا الحقيقيين.
انتهيت من سلسلة المقالات المرتبطة بمناهج التعليم.. والله ولى التوفيق.
اللهم بلغت.. اللهم فاشهد.
مقالات أخرى عن نظامنا التعليمي:
فلنتوقف عن التحرش.. ولنبدأ حق ممارسة الجنس
وراء كل حجر من الحجارة خريج من كلية تجارة
المقالات الخمسة السابقة عن مناهج التعليم:
أسوأ 50 كتابًا قرأتها في حياتي
كتاب التاريخ المدرسي.. «عيش الوهم»
أسوأ خمسين كتابًا قرأتها في حياتي ــ الموسم الثاني
تعلم الإنجليزية بدون معلم.. فلا يوجد في بلدك معلم
أسوأ خمسين كتابًا قرأتها في حياتي (انسف الثانوية العامة)
http://www.almasryalyoum.com/node/1720621
موقع وزارة التربية والتعليم يتضمن كل الكتب المدرسية