يبدو أنه لا مفر من العودة إلى الأكاذيب التى تبثها جماعة الإخوان ويندفع وراءها الببغاوات من أنصارها أو مطيّباتية الجماعة ومواليسها فيكررونها كأن التكرار المفرط سوف يمنح الكذبة صدقيتها ومنطقيتها.
وللأسف فعلا فإن تكرار الأكذوبة يضفى عليها جدية وتصير أمرا واقعا يسقط فى شَرَكِه بعضُ العقلاء فتجدهم يناقشون الأكذوبة كأنها حقيقة من فرط تكرارها، وبعض العقلاء الآخرين يتورطون فى تصديقها والسير خلفها وينسون فى السكة أنها أكذوبة.
من هنا نسمع من أطراف محترمة دعوة للوقوف أمام صناديق الانتخابات ولو خمس عشرة ساعة بدعوى أن الصندوق هو الحَكَم!
والحقيقة أن مُحدَثى الديمقراطية وغير المثقفين سياسيا والمتحمسين وطنيا يمكن أن يصدقوا ويرددوا هذه المقولات بإيمان بالغ وصدق أبلغ، رغم أن هذا اللطف الشديد فى ادعاء أن الصندوق هو الحَكَم ليس حقيقيا وليس دقيقا وليس أكثر من ستار دخان لإخفاء التزوير وإعلاء نظرية الحكم لمن غلب.
كيف؟
اهدأ فقط وأنت تقرأ سطورنا فنحن نؤمن بالديمقراطية، ولهذا ندافع عنها ولا نتاجر بها.
أولا: كما قلت وكتبت وأكدت فإن المتوهم أن الصندوق سوف يجلب الاستقرار لا بد أن يتخلى عن وهمه بسرعة، فقد لجأ إليه المصريون فى انتخابات الرئاسة وفى استفتاء الدستور، ومع ذلك فالنتيجة مزيد من الفوضى ومن عدم الاستقرار، لأن الديمقراطية ليست انتخابات فقط، والانتخابات ليست صندوقا فقط، والقفز فورًا نحو الصندوق إنما هو قفز يفسخ وطنًا فى الحقيقة.
طبعا نعرف جميعا أن الانتخابات كى تكون نزيهة فلا بد أن تتوفر شروط ومعايير وهى غائبة عند الإخوان المزوِّرين والذين يستبيحون الكذب والتضليل والتزوير للوصول إلى أهدافهم، ومَن يكذب على الله ورسوله فلا يمكن أن نستبعد كذبه على الناس والمواطنين، ومن يستحلّ الكذب يستحلّ التزوير، بل ويراه تزويرا فى سبيل الله.
ثم إن الإخوان لم ولن يقدموا أى ضمانات لنزاهة الانتخابات، لأنهم لن ينجحوا ولن يحصلوا على أغلبية لو جرت الانتخابات بعشرين فى المئة نزاهة.
ثانيا: الانتخابات يجب أن لا تكون سببا، بل لا بد أن تكون نتيجة. بمعنى أن الانتخابات لا تصنع الاستقرار، بل هى نتيجة للاستقرار. فهى تقتضى توافقا وإجماعا على ثوابت أساسية وقواعد نهائية للمجتمع، وتحقيقا للحد الأدنى من الأمن والهدوء والاستقرار السياسى والمجتمعى، ثم نحتكم إلى الصناديق فى انتخابات بطبيعتها تقلقل الاستقرار، ويزيد معاركها الواقع توترًا وسخونة. لكنْ أنْ نُجرى انتخابات فى واقع متوتر وفى أجواء عنف وانفلات تملأ جغرافيا البلد ودون ضمانات، ومن خلال حكومة منحازة وخادمة لسياسة الإخوان فهذا لن يجعل من الانتخابات بابًا للاستقرار، بل بابًا للفوضى.
الانتخابات تتطلب توافقا على قواعد اللعبة وضمانة بعدم الانقلاب على الديمقراطية بعد الفوز بالانتخابات والفصل بين دوائر الحكم ومفاصل الدولة، فلا تكون «الداخلية» هى داخلية الفائز بديلا عن كونها داخلية البلد، ولا يكون الجيش فى خدمة الحزب الحاكم بديلا عن أن يكون جيش الوطن، ولا يكون القضاء قضاءً تحت أمر الحكم وليس قضاءً تحت أمر القانون والدستور، كما تستوجب احتراما مطلقا وكاملا لحرية التعبير والمعلومات والرأى وعدم اللعب بمؤسسات القانون ومكتب النائب العام لصالح فريق الحكم.
الخلاصة أن إجراء الانتخابات فى وضع مائل وديكتاتورية ملتحية وكذب مفرط وغياب لضمانات نزاهة يؤدى إلى فوضى جامحة أو فشل بائن أو انهيار شامل حتى لو جرى كل هذا ببطء وبالتدريج، وليس فجائيًّا تاليًا لإعلان النتائج.
مؤسف جدا أن يكون نظام مرسى وإخوانه هو ذات نظام مبارك ورجاله، مع الفارق طبعًا لصالح الأخير، فهو على الأقل لم يدَّعِ يوما أنه بتاع ربنا أو أنه رجل ثورى، بينما لم نشهد من مرسى وإخوانه غير الادعاءات طول الوقت.
فلا نامت أعْيُن الطبالين.