على دراجته البخارية حمل أسرته المكونة من زوجته وطفلتيه، كانت الزوجة تمسك به بقوة لتحافظ على اتزانها وهى تحمى بنتيها من السقوط، لم يمنعه زحام الطريق من الوصول إلى تلك الحديقة العامة بحثاً عن نسمات هواء نظيفة له ولأبنائه، وأمام باب الحديقة اضطر للوقوف خلف سيارة نصف نقل كانت تحمل على ظهرها مجموعة من الأسر البسيطة التى جاءت أيضاً لقضاء اليوم والتنزه فى تلك الحديقة، كانت السيدات والأطفال يقفزن وينزلن من السيارة ببطء لارتفاع السيارة عن الأرض وأثناء نزول سيدة مسنة فقدت توازنها ووقعت على الأرض صارخة من الألم، أسرع لمساعدتها على الوقوف فدعت له قائلة: ربنا يسترك يا ابنى دنيا وآخرة ويمنع عنك الحوجة للبشر.
عاد إلى زوجته مبتسماً وقال لها: شفتى إحنا ربنا كرمنا إزاى عندنا مكنة ساترانا وبنقضى بيها مشاويرنا. ابتسمت بدورها وقالت: الحمد لله إحنا أحسن من ناس كتير. هذا المشهد من الواقع الذى نعيشه فى مصر التى تحمل كل المتناقضات فمشاهد السيارات باهظة الثمن التى تراها فى شوارع مصر وبجوارها تسير سيارات النقل التى يركبها البشر الذين لا يجدون غيرها وسيلة للانتقال يعطيك صورة عن الفجوة الاجتماعية الهائلة التى يعانيها المصريون، فى كل محافظات مصر وريفها وجنوبها وعشوائياتها تجد هذا المشهد المؤلم لطلاب المدارس والعاملين بالزراعة وعمال المصانع الذين عجزت الدولة عن توفير الحد الأدنى لهم من الكرامة الإنسانية فى وسائل نقل آدمية تليق بالبشر.
المهللون بشعارات العدالة الاجتماعية الذين يرفضون رفع الدعم الحكومى عن الطاقة الذى لا يستفيد منه سوى طبقة معينة على حساب الغالبية العظمى من فقراء مصر هل تعتقدون أنكم تفهمون معنى العدالة الاجتماعية وهل ترون ما نحن فيه الآن يمثل توزيعاً عادلاً لموارد الدولة وثرواتها بين مواطنيها؟!
استمتع بأنانيتك وامرح بسيارتك الخاصة وأنت تأخذ دعماً لا تستحقه لوقودك وإنما تأخذه من جيوب هؤلاء الفقراء الذين لا يمتلكون سيارة مثلك، ألا تشعر بالتناقض؟ ألا تشعر أنك بوق من أبواق المزايدة على آلام الناس وجراحهم.
قضية رفع الدعم عن الطاقة تحتاج إلى مصارحة ومكاشفة علمية بالأرقام، يجب أن نخبر الناس بالحقيقة ليعلم الناس أين مصلحتهم وأين حقوقهم، من الظلم مساواة الأغنياء بالفقراء، من الجور أن يربح بعضهم عشرات الملايين كل يوم عبر مصانعهم التى تستنزف الطاقة المدعومة من لحم الفقراء، بينما هؤلاء المساكين يركبون وسائل نقل الحيوانات لفقرهم وعوزهم.
لا تتحدثوا عن العدالة الاجتماعية وأنتم تكذبون على الناس وتتاجرون بتزييف وعيهم، أعط الفقير الذى لا يمتلك سيارة نفس النفع الذى تحصل عليه وأنت تملك سيارة، مدعوم وقودها من جيب الفقراء.
يارب لا تكتبنا من القوم الظالمين.