ايجى ميديا

الجمعة , 27 ديسمبر 2024
ايمان سمير تكتب -وقالوا عن الحرب)مني خليل تكتب -اثرياء الحرب يشعلون اسعار الذهبكيروش يمنح محمد الشناوي فرصة أخيرة قبل مواجهة السنغالايمان سمير تكتب -عيد حبعصام عبد الفتاح يوقف الحكم محمود بسيونيمني خليل تكتب -غياهب الايام الجزء الرابعالمصرى يرد على رفض الجبلاية تأجيل لقاء سيراميكا: لماذا لا نلعب 9 مارس؟مني خليل تكتب -غياهب الايام الجزء الثالثمني خليل - احسان عبد القدوس شكل وجدان الكتابة عنديالجزء الثاني / رواية غياهب الأيام كتبت / مني خليلإحاله المذيع حسام حداد للتحقيق وإيقافه عن العملتعاون بين الاتحاد المصري للدراجات النارية ودولة جيبوتي لإقامة بطولات مشتركةغياهب الايام - الجزء الاول - كتبت مني خليلاتحاد الكرة استحداث إدارة جديدة تحت مسمى إدارة اللاعبين المحترفين،كيروش يطالب معاونيه بتقرير عن فرق الدورى قبل مباراة السنغال| قائمة المنتخب الوطني المشاركة في نهائيات الأمم الأفريقية 🇪🇬 .... ⬇️⬇️اللجنة الاولمبية تعتمد مجلس نادي النصر برئاسة عبد الحقطارق رمضان يكشف سر عدم ترشح المستشار احمد جلال ابراهيم لانتخابات الزمالكنكشف البند الذي يمنع الدكتورة دينا الرفاعي من الاشراف علي الكرة النسائيةوائل جمعة نتتظر وصول كيروش

لماذا يرتدي مرسي بنطلون محمود؟

-  

منذ طفولتنا سويًا في نفس المدرسة كان محمود يعتبرني قريبًا منه لأسباب لا أفهمها حتى الآن.. لكن كلينا كان يجيد التعامل مع الآخر بصورة فيها ودُ طفولي كأنه محفور في وجداننا  منذ الأزل.

أيام الجامعة كان «محمود» صاخبًا يميل إلى المرح ويشترك في أنشطة الرحلات وتنظيم الحفلات الغنائية، حاول الانضمام لاتحاد الطلاب عن طريق الحزب الوطني، وكان أكثر كلامه عن علاقته بـ«البنات» والمغامرات العاطفية وشرائط الكاسيت وأحدث ألبومات المطربين وانتقالات لاعبي الدوري الموسمية.

كان يرتدي بنطلون جينز مبهرج الشكل من طراز شاع آنذاك (dirty)، وكان مقبلًا على الحياة بنهم ورعونة، لا تعرف أيهما يسبق الآخر.

وفجأة ودون مقدمات، تغيرت هيئة محمود تماما.

 رأيته بقميص كلاسيكي كئيب وبنطلون قماشي جهوم اللون، ثم بتصفيفة شعر جديدة.. شعر قصير مهندم مسرّح بعناية ناحية اليمين، وفي جيب قميصه قلم رصاص ماركة روترنج.

بعد نقاشات طويلة قال لي- بموجب معرفة سنوات طويلة بيننا- إنه انضم للإخوان المسلمين، وإنه سيشق حياته معهم في دعوتهم الربانية، وفي نهاية حديثنا كنت قد ميّزت لهجته وقد صارت أكثر خشونة، وملامحه وقد أضحت أكثر جمودا، وقبضة يده- في سلام التوديع- وقد انقبضت على يدي في صرامة غير مبررة.

بعدها بشهور، بكى بين يديّ وأنا أزوره في منزله، لأن الإخوان شكوا أنه دسيسة أمنية عليهم، بعدما شاهده أكثر من أخ يتحدث مع زملائه القدامى في اتحاد الطلبة، ثم لفظه الإخوان بهدوء خارج صفوفهم، فظهرت عليه أعراض اكتئاب ورغبة انعزالية مشوبة بالحزن..

بعدها بشهور صادفته في الطريق، وقد بدا لي أن بنطلونه تم تقصيره على نحو ما، وأن شيئا ما في هيئته قد تبدل جذريا.. وبعد مصافحة حارة فهمت أنه وجد نفسه أخيرا وسط إخوانه في الدعوة السلفية، وعرف أنها سبيل النجاة من شرور الدنيا، وأن كل الفِرق هالكة إلا هذه الفرقة التي هي على الكتاب والسنة سائرة.

كان قد قصّر بنطلونه لأقصى طول ممكن (سابلًا إزاره)، ووجّه وقته لحضور دروس مشاهير دعاة التيار السلفي في مسجد العزيز بالله بحي الزيتون بالقاهرة وعدد من المساجد الأخرى.. وعلى مدار هذه الفترة كان يحدثني بحماسة بالغة عن العلم الشرعي وضرورة تحصيله.

صار طول بنطلون محمود وهيئة هذا البنطلون هما اللذان يحددان الشخص الذي تقابله..فلو كان بنطلون جينز فهو محمود المرح المنطلق محب الرحلات والأغاني ونزار قباني، ولو صار بنطلونا قماشيا مهندما ففي الأغلب ستقابل محمود الهادئ الذي ينظر إليك بتفحص وتحسس ويلقي نكاتا سخيفة ويشتم في عبد الناصر وما جناه على مصر، ولو قابلت محمود ببنطلون قصير يكاد يكون مشمرا فأنت أمام محمود السلفي الذي يتحدث معك عن ابن عثيمين والألباني كأنه يحكي عن أصحابنا في الجامعة ورفاق صبانا.

وبعد فترة من الانتماء للدعوة السلفية، انفجرت التوترات والتناقضات الكامنة في نفس محمود.. ثم هجر كل شيء بلا عودة: الحزب الوطني، الإخوان، السلفيين.

***

وبعد فترة نقاهة ليست طويلة، أصبح محمود خليطًا من كل شيء، يتحدث عن العلاقات العاطفية، ثم يستغفر الله، ويؤيد بعض تصرفات مبارك لكنه لا يتخلى عن وجهة نظره حول مبارك كونه رئيسًا مفرطًا في تطبيق الشريعة وفي حق الجهاد في فلسطين.. يسمع الأغاني ويؤثم نفسه على هذا الفعل.. يشترك على الإنترنت في «جروبات» رومانسية وأخرى دينية.. أصبح يفعل كل شيء.. ويتحدث من كل المنطلقات عن كل الأشياء بلا رابط واضح، غير التشوش.

***

يقول الرئيس محمد مرسي: الستينيات وما أدراك ما الستينيات، ثم يقول إنه سيكمل ما بدأه عبد الناصر.. يستضيف مرسي صحفية مصرية مسجونة في السودان على طائرته الخاصة بعد تحريرها، ثم يقاضي عددا من الصحفيين ثم يتنازل عن هذه المقاضاة.. يعرض مرسي تعيين  أحمد ماهر ضمن فريقه الرئاسي ثم يعتقل أحمد ماهر، يتحدث مرسي عن أحفاد القردة والخنازير ثم يرسل خطابا حارًا إلى «عزيزه» بيريز.. لن يقابل مرسي السفير الإيراني بالقاهرة حتى تكف إيران عن دعمها لنظام الأسد ثم يقابل أحمدي نجاد شخصيًا.

يقول مرسي إنه رئيس لكل المصريين، ثم يقول إن بعضهم في الحارة المزنوقة يتآمر ضده ويقول إن عدد أنصاره في ازدياد.. لقد فسطط مرسي المصريين كما فسطط بن لادن العالم.. يقول مرسي إنه مرشح الثورة، ثم يسير على خطى من قامت ضده الثورة، ويستجلب رجال المخلوع في مواضع الحكم..

***

يذكرني مرسي- من حيث تترفع الذكرى أن تتداخل معه – بـ«محمود» وبناطيله الثلاثة: بنطلون الحزب الوطني وبنطلون الإخوان وبنطلون السلفية..

تارة يتحدث كرئيس إسلامي، وتارة كوريث لمبارك، وتارة كرجل قومي، وتارة أخرى كممثل لأهل السنة والجماعة ومنهاج التيار السلفي (راجع: خطاب طهران الشهير في قمة  دول عدم الانحياز).

يتمثل أحيانا دولة يوليو، ويسير في أحيان أخرى على خطى مبارك، يحب أن يراوغ كالسادات فيبدو بليدا كمبارك، يحاول أن يبدو زعيما كعبد الناصر فيبدو أقرب لمهرج في سيرك بائس..

يراضي السلفيين أحيانا، ويجامل الإخوان كثيرا، ويتمحك في «طبيعة» الدولة المصرية قدر استطاعته.. لكن المنبت لا ظهرًا أبقى ولا أرضًا قطع، كما في الحديث الشريف.

***

انتهى الحال بصديقي محمود وقد تكدست غرفته بشرائط عمرو خالد وأبو محمود المصري ومحمد حسين يعقوب جنبًا إلى جنب مع شرائط راغب علامة وعمرو دياب..

كان يذهب لمشاهدة الأفلام الإباحية مع جيرانه من أقراننا.. ويعتكف العشر الأواخر من رمضان في مسجد عمرو بن العاص..

كان يتحدث عن أبو مصعب الزرقاوي بنفس درجة إعجابه بعبد الحليم علي، مهاجم الزمالك..

كان على وفاق مع زملاء اتحاد الطلبة..

وكان إذا شاهد إخوانه من جماعة المرشد سلّم على من لاتزال بقايا المودة تسمح له بالسلام عليه، رغم حسرة ومرارة الظنون..

وأحيانا، يتركني فجأة ونحن في الشارع ويهرع إلى أحد إخوانه السلفيين الذين كان يتلقى معهم علوم الحديث مع الشيخ فلان الفلاني في أحد مساجد عين شمس.. ثم يحضنه بحرارة.

كان يحب الجميع، وكان كسيرا أمام الجميع.. وبغرابة تدعو لعرضه على طبيب نفسي، كان يعيد إنتاج النماذج الثلاثة- بأطيافهم - في تعاملاته وقناعاته، وكان يقنع نفسه أنه ينتمي لهم جميعا!.

***

تزوج محمود وهاجر خارج مصر، وترك خلفه كل غصص الماضي.. وكل ما يصلني منه الآن تنويهات الأدعية والأذكار التي يضعها على صفحتي على فيس بوك، وبعضا من مقاطع مشايخ السلفيين التي تتحدث عن بعض الأمور الدينية..

أرسلت له ذات مرة: كيف ترى حكم الإخوان يا صديقي؟

فاتصل بي على هاتفي وفي صوته حسرة مخنوقة: لم أكن أتخيل كل هذا الفُجر يا أحمد!

***

لو كنت أنا طبيب محمود النفسي، أو مستشار مرسي السياسي، لقلت لكليهما: مزق بناطيلك كلها! وارتدِ ملابسك الشخصية.

 

التعليقات