يحتار المرء فى تفسير تصرفات المحامى حازم صلاح أبو إسماعيل، المعروف باسم الشيخ حازم، ويبدو أن لقب الشيخ صار سهلا طيعا يتداوله الناس، كما يتنادون فى ما بينهم بوصف «يا باشمهندس» لكل صاحب صنعة، وكانت الناس تتصور أن الشيخ حازم سوف يقل كلامه العام وربما ينعدم وقد يتوارى عن الأنظار بعد استبعاده من الانتخابات الرئاسية، فالرجل كتب بيانات فى استمارة الترشح، ثبت باليقين أنها ليست صحيحة، لكنه على العكس تماما تعامل مع الأمر كأنه «عادى جدا»، «هو يعنى حصل إيه لما الواحد يكتب بيانات غير صحيحة فى استمارة ترشح لمنصب رئيس جمهورية»!؟
ولأن السيد أبو إسماعيل لم يحاسب عما كتبه فى إقراره الترشيحى، أفاض فى التصريحات والمواقف العامة، مسنودا ومدعوما من الجماعة بعد قدومها إلى سدة الحكم..
والجماعة تلعب مع المصريين لعبة المتاهة، فهى تشبه خلايا عنكبوتية، لها كيان أصلى، ممتد إلى كيان عالمى، ومتفرع منها حزب داخلى، ولها تشكيلات تعمل فى خدمتها دون أن تحمل اسمها مثل «قضاة من أجل مصر»، وحزب الوسط.. إلخ، وأشخاص يؤدون أدوارا محددة لتمكين الجماعة من السيطرة: بعض القضاة والقانونيين وأساتذة الجامعات.. إلخ، وهؤلاء يعلنون طوال الوقت «أنا مش منهم»، كما حدث فى الجمعية التأسيسية للدستور من شخصيات، كان المصريون يحسبونهم على الجماعة الوطنية المصرية ككل، فإذا بهم أشد التزاما بمصالح الجماعة من مكتب الإرشاد..
نعود إلى الشيخ أبو إسماعيل سنجده واحدا من أكثر الناس التزاما بأهداف الجماعة فى التمكين من الدولة المصرية، وبالمناسبة الدولة المصرية ليست دولة عميقة سياسيا كما يشاع ويقال كذبا وتدليسا، بل تكون بلا عمق أو شبه مسطحة فى هذا المضمار، ويسهل لأى غازٍ السيطرة الرسمية عليها، فالخدم والمنافقون والأفاقون والشامشرجية بالزوفة، لكن المجتمع المصرى عميق ثقافيا، لا يستسلم للغزاة بسهولة حتى لو جاؤوا بصندوق الانتخابات فى لحظة ارتباك تاريخى. الدولة المصرية الرسمية طول عمرها تنتقل بمنتهى الطاعة من غازٍ إلى غازٍ، ومن حاكم إلى حاكم، لكن المجتمع المصرى لا يفعل.. فهو أكثر تماسكا وقوة، والدولة غير المجتمع، طبعا جزء من المجتمع يستسلم ويخضع وينبطح وينام على بطنه، أما التيار العام فيظل صامدا مقاوما، سواء كان هذا الغازى حاكما أجنبيا أو حاكما داخليا.. ولا أريد العودة إلى التاريخ البعيد.. راجعوا فقط ما حدث مع الحملة الفرنسية والخديو توفيق والإنجليز فى القرن التاسع عشر.
وأمام الغزوة الجديدة التى استولت على ثورة شعب ونهبت أهدافها، تصدت بعض مؤسسات المجتمع للغزاة مثل الإعلام علنا والقوات المسلحة صمتا، وقد تكون هذه أول مرة تنضم المؤسسة العسكرية إلى شعبها فى مقاومة غزاة محليين ولا تستسلم لهم كالعادة، و«الغزو» ليس تجنيا ولا مبالغة، فالجماعة هى التى قررت أن تتصرف مع مصر بمنطق الغزاة، ومع المصريين على أنهم أسلاب وغنائم، وعلى المهزوم أن ينصاع ويخضع ويوقع عقود إذعان مع الغازى المنتصر، ويدعه يتصرف فى البلد كما يشاء: تعيينات، إعلانات دستورية، تحصين قرارات ضد القضاء، عفو عن مجرمين وقتلة روعوا المجتمع المصرى سنوات طويلة، دستور على المزاج، تعديلات فى كل شىء على مقاس الجماعة.. وهكذا.
هنا يأتى دور الشيخ أبو إسماعيل ضد المقاومة العلنية والمقاومة الصامتة، وطبعا يلعب دوره بإتقان دون أن يذكر اسم الجماعة..
مع الإعلام يأمر أتباعه بحصار مدينة الإنتاج الإعلامى جهارا نهارا. ومطاردة المذيعين المشاغبين المناوئين بالتمكين، وشتمهم وسبهم فى «الرايحة والجاية» أمام باب المدينة، ومن يسوء حظه ويقع فى أيديهم، تحطيم السيارات والاعتداءات العقاب..
مع المؤسسة العسكرية لا ينفع حصار وزارة الدفاع ولا تجميع الأنصار أمام المنطقة المركزية، والبديل هو التصريحات، بعضها تهديد بالدم إذا فكر الجيش فى العودة إلى المسرح السياسى (وقطعا نحن أيضا ضد عودته)، بعضها إهانات لقادته حتى يظلوا تحت ضغط نفسى وعصبى وقبول بالأمر الواقع.
ويلعب أبو إسماعيل الدورين دون أى مساءلة قانونية، فنحن فى دولة قانونها صار مجرد «حمار» يركبه صاحبه وقتما يشاء، كان الأمر كذلك قبل الثورة، وتضاعف عدة مرات بعدها.. المهم أن عددا من كبار الضباط العسكريين المتقاعدين كتبوا بلاغا قدمه المحامى خالد عبد الرحمن إلى رئيس النيابة العسكرية ضد حازم أبو إسماعيل يتهمونه فيه بإهانة القائد العام ووزير الدفاع، وطلبوا ضبطه وإحضاره للتحقيق معه، وأرفقوا به الـ«سى دى» المتضمن وقائع السب والقذف..
ولم يتحرك البلاغ.. هل تستشعر النيابة العسكرية الحرج أم أن القانون يعمل حسابا لأبو إسماعيل وجماعته والخلايا النائمة؟!