والله لو استمرت المحكمة عشر سنين فى محاكمة مبارك وولده وملئه، ما أضافت جديدًا، وماذا أقول بعد كل ما قيل، لكنها فرصة أخيرة سانحة مذاعة على الهواء مباشرة، هل يستغل مبارك الفرصة، ويقف على قدميه ويصلب طوله، ويدلى بشهادته؟ مبارك على مشارف القبر، أخشى أن يغادرنا ويدفن سره معاه، يقينًا سر مبارك لا يخصه، شهادته تخصنا نحن المصريين، فصل من كتاب التاريخ، قل ما شئت فى خطايا الفصل الأخير، لكنه فصل موثق، من مصادره على أقل تقدير.
هل يفعلها مبارك ويفاجئ المحكمة، ويطلب الحديث، يشهد شهادة لوجه الكريم، لوجه الحقيقة، على الأقل يُمَلِّكنا شهادته (على علاتها) وهو على قيد الحياة، لا مذكرات مضروبة ولا حوارات مفتعلة، مبارك يشهد على مبارك، تظل شهادة شخصية، مبارك السجين يحكم على مبارك الرئيس، مبارك الآن بين مدافع عن الباطل بالحق، ومدافع بالحق عن الباطل، وناقم بالحق أو بالباطل بكل حروف النقمة.
ليس مطلوبا من مبارك (الرئيس الذى كان يحكم) أن يدافع عن مبارك (الرئيس الذى فى القفص) فى القضية المنظورة أمام المحكمة (قتل المتظاهرين)، لا يضير الشاة سجنها بعد خلعها، يكفى دفاع فريد الديب والذين معه، ولكن مطلوب من مبارك ما هو أكثر، ولْتُمَكِّنه المحكمة من ذلك هو أنفع للناس، شهادة تاريخية موثقة بالوقائع والحقائق والأسماء، ما خفى فى عصر مبارك كثير، وما خفى منه كان أخطر، يوم تبْيَضّ وجوه وتسْوَدّ وجوه، رواية مبارك الشخصية عن الثلاثين عاما هى بالضرورة رواية من زاويته، لكنها رواية بطل الرواية، ليست ما تيسر، ولا ما تعثر فى معلومة مهملة صنع منها قصة، البعض يتعيّش على صمت مبارك، يتقوّت بفتات المعلومات المتسربة كرشح المجارى فى خلفية البنايات، ويتغذى على شذرات الروايات المتداولات، عنعنات، ويتبضّع على صدى أيام قضاها فى الجُبّ المباركى.
أرجو أن تتسع قاعة المحكمة وصدرها، لسماع شهادة مبارك، على المصريين أن يسمعوا شهادته هو، مطلوب من مبارك أن يكف عن الصمت، ليس بليغا صمتك، فريد الديب ليس مؤهلا للدفاع عن التاريخ، محامى جنايات، سيبك من القضية المنظورة، صدر الحكم فيها قبلا، لا تعول على البراءة كثيرا، لن تنفعك مرافعات فريد الديب، زَبَد وسيذهب جفاء.
ما ينفعنا كمصريين، أن تجلى لنا الحقيقة، بيان للناس، كشف حساب، حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسَبوا، لا تَخْش، الفاتورة مدفوعة مقدما، لقد تم خلعك يا هذا، ولم يعد هناك ما تصمت من أجله، تكلم يا رجل، تحدث عن سنوات الحكم الطويلة، وما جرى وكان يجرى فى القصر، تحدث عن الثروات والممتلكات والأرصدة والحسابات السرية وتهريب الأموال، عن الأعمال ورجال الأعمال والديوان والحزب.
تكلم ولو لم تُرْض المصريين جميعا، وليكن من بينهم نفر يسمعونك، اشف غليلهم لحقيقة التوريث، والتثليث، الرئيس والزوجة والوريث، عن تحكم سوزان، وتوريث جمال، وصفقات الإخوان، وكنز إسرائيل الاستراتيجى، وشرطى الأمريكان، تحدث كما لم تتحدث من قبل، قل ولا تِخْشاش ملام، هناك آذان صاغية، أعلم أن هناك عيونا لا تحب أن تراك، تبغضك، تود لو تعدمك فى ميدان التحرير، ولكن قبل الإعدام، يسألونك: المتهم عنده حاجة يقولها، علينا جميعا أن نسمعك، وننصت، يقينا هذه شهادة أخرى غير شهادات الشهود، تكمل الضلع الناقص، أخشى على مبارك من مصير عمر سليمان، صندوق مبارك الأسود مثل صندوق باندورا، هو صندوق الشرور.
يقينا مبارك لم يعد يحفل بفوضى محاكمته الضاربة، تعوّدها قبلا، ما نطلبه من رئيس المحكمة (وهو على مشارف القبر)، أن يعتبر للقبر، ويسمح لمبارك أن يتحدث، بل يطلب منه شهادته كاملة غير منقوصة ويُمَكِّنه منها.. مبارك إن حكى.. لو تحدث...