لست أعرف بأى لغة تحدّث فضيلة الدكتور محمد مرسى الذراع الرئاسية للجماعة الفاشية السرية إياها، إلى صحيفة «وول ستريت جورنال الأمريكية».. هل استعمل إنجليزيته التعبانة العدمانة؟ أم تكلّم بلغته العربية المستعارة من قاموس خطباء الزوايا الريفية والمساجد الضرار (مثل تلك المبنية فى عرض الطريق)، وعلى كل حال فإن هذه الصحيفة نشرت، أول من أمس، تصريحات منسوبة إلى فضيلته أغلبها كلام عشوائى يكاد كالعادة يخاصم المعانى، لكن بعضها بدا خطيرًا ومدهشًا حقًّا من نوع القول بأن «مصر على الأرجح هى البلد الوحيد فى المنطقة الذى ليست له مصلحة فى سوريا أو فى فلسطين.. فقط عليها واجب يدفعها للتدخل الإنسانى»!!!
طبعًا لاحظت علامات التعجب المصلوبة فى نهاية العبارة السابقة، والحق أن العجب والاستغراب هما أقل وأهون المشاعر التى تثيرها كلمات من هذا الصنف فى نفس المواطن المصرى، لأن الإصابة بالجنان الرسمى احتمال وارد جدًّا ولا يمكن استبعاده، إذا ما أخذ هذا المواطن كلام الرجل القاعد على مقعد رئاسة البلاد مأخذ الجد، ووجد نفسه مطالبًا بمسح وتنظيف دماغه تمامًا من كل دروس وحقائق التاريخ والجغرافيا «فضلًا عن التربية الوطنية والسياسة» التى تؤكد جميعًا أن مصر، بعكس ما تفوّه فضيلة الدكتور مرسى، تكاد تكون «البلد الوحيد فى العالم» الذى تربطه بفلسطين وسوريا، ليست فقط مصالح حيوية هائلة غير قابلة للتعويض، وإنما هو مشدود إلى هذين القطرين بالذات بحبل سرى فى قطعه موتنا (وموتهما معنا) إذ لا حياة آمنة للمصريين فى وطنهم بمعزل عن فلسطين وسوريا، فالقطر الأول هو أهم وأخطر البوابات المفتوحة مباشرة على العمق المصرى، ومنها داهمنا كل الغزاة وتسربت أسوأ التهديدات على مدى التاريخ.. أما الثانى سوريا فهو ساحة الحماية الاستراتيجية الأشد حساسية لمصر وهو، من دون أدنى مبالغة، جناحنا الشرقى الذى نحلّق به فى سماوات النهوض، كما أنه طريقنا الوحيد (بعد احتلال فلسطين) إلى التمدد الحيوى فى قلب أمتنا العربية.
تلك حقائق راسخة ثابتة تعرفها الدنيا ويدركها ويعترف بها العدو قبل الصديق، ومن ثم هى ليست خاضعة لفنون اللف والدوران ومخاتلات ومساومات السماسرة الصغار فى الأسواق الريفية (فما بالك بعالم السياسة المعقد)، ولهذا فإن قول تفوهات علنية تتناقض معها لن يفضى لأى مصلحة، بل بالعكس يفتح باب شرور وكوارث وطنية لا أول لها ولا آخر.
والحق أننا إذا ما حاولنا تلمّس أصل ودافع هذا التصريح الفنشكونى الغريب الذى أدلى به فضيلة «الذراع» للصحيفة الأمريكية، فسنجد أنفسنا أمام احتمالين اثنين لا ثالث لهما، أولهما أن الرجل يفهم ويقصد فعلًا ما قاله وأنه جاد جدًّا فى ترجمة «العقيدة الإخوانية» التى تربّى عليها، إلى توجهات وسياسات لا تحفل ولا تقيم وزنًا للوطن ومصالحه العليا، لأن المصلحة الوحيدة المرعية إخوانيًّا هى مصلحة «الجماعة» وأطماعها فحسب، ثم بعد ذلك «طز فى مصر واللى جابوا مصر»، تتحرق هىّ وأهلها بجاز وسخ.. مش مهم.
أما الاحتمال الثانى فربما يكون أن فضيلة الدكتور مرسى قصد استعباط الأمريكيين والغرب عمومًا وطمأنتهم إلى أن مصر فى عهده سترضى بدور ووزن فى المنطقة أقل، أو بالكثير مماثل لوزن دولة «ميكرونيزيا» العظمى، لكن ثقافة الرجل ومستوى إلمامه باللغة الإنجليزية لم يساعداه، فإذا به يخلط بين كلمة «مصلحة» interest، وكلمة «أطماع»، greediness، فاستخدم الأولى حيث كان يجب أن يستعمل الثانية، ومن ثَم فَطَس العبد لله كاتب هذه السطور من الضحك، لأن حكاية «المصلحة» هذه فكّرتنى بواحدة من أظرف وأغبى أغانى النفاق والكذب التى كانت أبواق نظام الأستاذ المخلوع أفندى وولده تتحفنا بها بين الحين والآخر.. فقد كان المغنى الغلبان يشدو فى أحد مواضع الأغنية هاتفًا «لا حيدينى ولا يرقينى ومافيش مصلحة بينى وبينه / وبقولها ورزقى على الله / وعلشان كده إحنا اخترناه»!!