فى جلسة خاصة جمعتنى مع عائلة مصرية تقيم قبل أشهر قلائل فى الكويت، حيث أتابع هذه الأيام مهرجان السينما الخليجية، كان رب الأسرة حاضرا وهو زميل دراسة، ولكنه ابتعد عن الصحافة وتخصص فى التجارة، باغتتنى ابنته بهذا السؤال باعتبارى عالما ببواطن الأمور أو هكذا تتصور، هو صحيح يا عمو.. نجيب الريحانى مسلم أم مسيحى؟ وأضافت أنها وأصدقاء لها فى مصر اختلفوا حول تحديد ديانته، تعجبت من السؤال وقلت لها تفرق معك إذا كان مسلما أم مسيحيا؟ وأضفت هو أعظم فنان كوميدى عرفته الشعوب العربية، رحل قبل أكثر من ستين عاما ولا تزال أشرطة أفلامه السينمائية الستة، رغم حالتها الهندسية المتردية، قادرة على إضحاكنا.
مع الأسف لم يكن هذا السؤال مطروحا من قبل، ولكنه صار عند البعض هو الأهم، وكثيرا ما واجهتنى أسئلة من هذا القبيل، لماذا لا نرى إلا فى القليل النادر الأقباط المصريين متألقين فى العديد من مجالات الفن؟. سوف أضرب لكم مثلا بالغناء، هل لاحظتم أنه لم تُقدم مصر مطربا قبطيا حقق نجومية طاغية طوال التاريخ توازى عبد الوهاب وفريد وفوزى وعبد الحليم.
أتذكر أن هانى شاكر فى بداية مشواره الفنى مطلع السبعينيات كان يؤكد فى أحاديثه حرصه على أداء الصلوات الخمس، لأن البعض أوعز إليه بأنه سوف يفقد شعبيته لو صدقوا شائعة أنه مسيحى، الفنان محمد صبحى منذ 15 عاما لاحقته تلك الحكاية، وهى أن اسمه الحقيقى مجدى وأنه مسيحى، ولكن والده أطلق عليه محمد، لأن كل الأطفال الذين أنجبهم قبله قد ماتوا، مجموعة من التخاريف صاحبت بطل مسرحية «تخاريف»!!
هل تتأثر شعبية الفنان بسبب ديانته؟ هناك بعض المظاهر لا تجد لها تفسيرا منطقيا، لو أنك مثلا سألت لماذا لم يظهر «جان» فتى أول مسيحى الديانة طوال تاريخ الدراما المصرية يوازى كمال الشناوى وشكرى سرحان ورشدى أباظة وصولا إلى أحمد عز؟ لو استسلمنا للتفسير الطائفى الذى يقول إن بعض المصريين يرفضون الفنان بسبب ديانته، سنجد أنه على المقابل ثمة قسط وافر من نجوم الكوميديا أقباط، بل إن الضحك فى مصر لو قررت أن تحيله إلى اسم فنان واحد يعبر عنه ويصبح عنوانه فلن تجد سوى نجيب الريحانى المسيحى الكاثوليكى.
لا أنكر أن هناك من يعتقد أن الدين قد يشكل حاجزا بينه وبين مشاعر الناس، ولا أنكر أيضا أن البعض قد ينحاز دينيا فى التقييم ولكنى على يقين أن هذا هو الاستثناء.
أتذكر ملحنا شهيرا قال لى إن الدولة لم تكن تسند إليه تقديم أغنيات وأوبريتات أكتوبر فى زمن مبارك، لأنه مسيحى وكانوا يفضلون عليه الملحن المسلم، قلت له يوجد عشرات من الملحنين المسلمين ولم تكلفهم الدولة بأى أغنيات فى أكتوبر أو غيره، أنت موهوب وهو أيضا، ولكنه بالإضافة إلى ذلك كان يعرف الشفرة أكثر منك للوصول إلى صاحب القرار!!
تذكرت فى أثناء إقامة مهرجان الإسكندرية السينمائى قبل عامين، جمعتنى جلسة مع يحيى الفخرانى حكى لى أنه فى مسلسل «زيزينا» وبعد اعتذار آثار الحكيم عن أداء الجزء الثانى أصر هو ومخرج المسلسل جمال عبد الحميد والكاتب أسامة أنور عكاشة أن الأنسب للدور هى هالة صدقى رغم اعتراض الإنتاج.. لم يجد المسؤول سوى أن هالة مسيحية والمسلسل يعرض فى رمضان، فهو كان يريد فرض فنانة أخرى مستغلا ديانة هالة.
حكى مرة مذيع الراديو أسامة منير أنه رسب فى الامتحان كمطرب عندما تقدم إلى لجنة الاختبار فى الإذاعة قبل نحو 20 عاما، لأن اسمه أسامة منير جريس، وعتقد أن الملحن عبد العظيم محمد عضو اللجنة تعمد إقصاءه عندما عرف اسمه الثلاثى، وكتب بعدها هذا الزجل يقول فى مطلعه «إن كنت لويس أو جريس من حقى أركب الأوتوبيس»، إلا أن أسامة حقق بعد ذلك نجاحا استثنائيا كمقدم برامج ولم يكتف فقط بالأوتوبيس، بل ركب صاروخا إلى قلوب الجماهير، نعم بين الحين والآخر قد نلمح تصريحا طائفيا يحظر السلام أو الأكل أو التهنئة للمسيحيين إلا أن مشاعر الناس عندما تستقبل فنانا لا تسأله أولا قبل أن تأذن له بالدخول أنت مسلم أم مسيحى؟!