خبران داهمانا أول من أمس، مقارنتهما ببعضهما تختصر حالتنا الراهنة، وتقول ببلاغة شيئا كئيبا من حكايتنا السوداء المأساوية التى نعيش فصولها المروعة هذه الأيام تحت الظلال الثقيلة لجريمة السطو المسلح على البلد دولة ومجتمعا، التى ترتكبها جماعة سرية شريرة وفاشية وفاشلة أيضا، لا تراعى فينا الله ولا يردعها قانون أو ضمير أو أخلاق!
الخبر الأول بشرنا بأن محكمة النقض قضت برفض الطعن على حكم براءة المتهمين فى «موقعة الجمل»، استنادا إلى أسباب قانونية قوية وقاطعة أهمها وأخطرها أن الست النيابة العامة فى عهد معالى «النائب الخصوصى» للجماعة السرية طعنت على الحكم بعد انقضاء مدة الطعن المنصوص عليها فى القانون، كما لم تقدم النيابة للمحكمة المرموقة أى دفوع جديدة، ولا ردت أو ناقشت أسباب حكم محكمة الجنايات المطعون عليه!
أما الخبر الثانى فهو قرار أصدرته إحدى النيابات بإخلاء سبيل شخص إخوانى يدعى علاء حمزة بكفالة مالية، بعد التحقيق معه فى اتهامات خطيرة مؤيدة بشهادة الشهود وموثقة بصور وأفلام واضحة، تكشف مشاركة هذا الشخص فى محرقة تعذيب نحو 60 مواطنا تعذيبا وحشيا فى الشارع تحت أسوار القصر الرئاسى، عقابا لهم على جرأتهم فى الانضمام إلى تظاهرة سلمية حاشدة هائلة تحتج على قيام فضيلة «الذراع الرئاسية» بتنفيذ انقلاب غشيم على الشرعية، عندما أصدر نهاية العام الماضى فرمانا خرافيا ممعنا فى السوء والبطلان عين بمقتضاه نفس فضيلته سلطانا على البلاد والعباد، يتمتع بصلاحيات واختصاصات مختلسة ومسروقة من قائمة سلطات المولى تعالى فاطر السماوات والأرض!
قلت فى الفقرة الأولى من هذه السطور إن مقارنة الخبرين ببعضهما تختصر كلاما كثيرا فى وصف حالتنا الحالية التى لا تسر حبيبا وتبهج العدو قطعا، لكنك قد تفقد ما تبقى من حلمك وعقلك إذا قارنتهما معا بسيل أنباء وأخبار أخرى تتواتر وتتدفق يوميا أو كل ساعة، راسمةً لوحة مروعة ومحبطة تغص وتشغى بوقائع قمع وإرهاب وإجرام، لم يتخيل أكثر الناس تشاؤما أننا سنكابدها بعد ثورة عارمة رائعة اختطفها الأشرار ونشلوها من أصحابها فى وضح النهار.
يعنى مثلا، الست النيابة التى يقودها بالعافية الآن هذا «النائب الملاكى» الباطل لم تجد عند جنابها وقتا يكفى لكتابة طعن النقض على حكم براءة المتهمين فى موقعة الجمل خلال المدة القانونية، بل ولا يبدو أنها قرأت أسباب الحكم أصلا، تلك الست نفسها كان وما زال لديها فائض من الجهد والوقت لتنفيذ أوامر تأتى إليها كل صباح من مغارة «الجماعة» الفاشية، بملاحقة وبهدلة وحبس آلاف المواطنين الشرفاء أغلبهم فتية وشباب من أنبل وأجمل زهور هذا الوطن، وفبركة وتلفيق التهم لهم.
غير أن الخبر الثانى بالذات ينضح بمعانٍ تثير الاشمئزاز والقرف ربما أكثر مما تثير الغضب، فالخبر يتحدث عن إطلاق سراح (ولو بكفالة مالية) عن شخص متهم بجرائم ثقيلة وبشعة موثقة، وتكاد تكون ثابتة، وهى تعذيب خلق الله وعجن عظامهم بلحمهم علنا وعلى قارعة الطريق، ومع ذلك أطلقت النيابة سراحه (بالضغوط والأوامر قطعا)، وفى المقابل هناك شباب مناضل ومكافح بجسده العارى ضد طغيان الشر، من أمثال أحمد دومة وحسن مصطفى يحشران مع المئات غيرهما فى عتمة السجون بقرارات أصدرتها نيابات أخرى بعد تحقيقات وهمية وهزلية فى اتهامات مسخرة، من نوع أن دومة أهان الأخ مرسى، وقال إنه فاشل ووجوده فى الحكم باطل، وأن حسن مصطفى جعل خدود (وربما شفايف) واحد من وكلاء النيابة تتلون باحمرار ملحوظ.. هل تسأل أين حمرة الخجل؟!