فرقت شرطة حركة المقاومة الإسلامية، حماس، الثلاثاء الماضى بالقوة مسيرة دعت إليها الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين بمدينة خان يونس جنوب قطاع غزة، تنديدا بالقصف الإسرائيلى على سوريا، وفى نفس الوقت فرضت الحركة حظرا شاملا على أى نشاط للتضامن مع سوريا فى مواجهة الغارات الإسرائيلية.
ويثير موقف حركة حماس -الفرع الفلسطينى لجماعة الإخوان المسلمين- تساؤلات عديدة حول التحولات التى جرت فى مواقف الجماعة الأم وفرعها الفلسطينى بعد وصولها إلى السلطة فى مصر، وتورط عناصر الجماعة وفرعها السورى فى الحرب على النظام هناك. معروف أن سوريا احتضنت حركة المقاومة الإسلامية، حماس، ووفرت لها ملاذا آمنا وكانت مقرا للمكتب السياسى للحركة سنوات طويلة، كما لعبت دمشق دورا رئيسيا فى ترتيب العلاقة بين الحركة وإيران، وكانت أيضا بوابة الأموال الإيرانية للحركة، إضافة إلى طريق إمداد الحركة بالسلاح الإيرانى. قدم النظام السورى كل أشكال الدعم والمساندة لحركة حماس ووفر لمكتبها السياسى كل الإمكانات اللازمة لمواصلة الدور السياسى المناهض للسلطة الوطنية الفلسطينية. فى تلك الفترة كانت حركة حماس تتبنى الخط السياسى للنظام السورى، ترى فى إسرائيل كيانا صهيونيا غاصبا، مآلُه إلى زوال، وفى فلسطين أرض وقف إسلامى لا يجوز التفريط فى شبر منها، وفى سوريا قلب العروبة النابض الذى يتصدى للكيان الصهيونى.
بدأت التحولات فى مواقف الحركة تظهر على السطح بعد فوز الحركة بالانتخابات البرلمانية التى جرت فى أراضى السلطة الوطنية الفلسطينية عام ٢٠٠٦، وهى الانتخابات التى فازت بها الحركة، هنالك بدأت الحركة فى الانقلاب رسميا على المشروع الوطنى الفلسطينى بالسيطرة على قطاع غزة وطرد قوات السلطة الوطنية، وبدأت الحركة تفرض القيود على عمليات المقاومة المسلحة ضد إسرائيل من خلال تفاهمات التهدئة التى كان يتم التوصل إليها برعاية مصرية، وعندما أرادت الحركة الرد على الاتهامات الموجهة إليها بأنها قد فارقت المقاومة وتحولت إلى سلطة، جاء الرد الإسرائيلى العنيف فى ديسمبر ٢٠٠٨ ويناير ٢٠٠٩، فاستوعب فرع الحركة فى الداخل المعادلة الجديدة، وبات أكثر واقعية، فى حين ظل فرع الحركة فى الخارج، فى دمشق، ممثلا فى المكتب السياسى للحركة بقيادة خالد مشعل ممثلا للتشدد والرغبة فى مواصلة الخيار المسلح. وفى يوليو ٢٠٠٩ وبعد خطاب أوباما فى جامعة القاهرة، ألقى خالد مشعل خطابا فى جامعة دمشق، أعلن فيه استعداده للقبول بدولة فلسطينية على حدود الرابع من يونيو ١٩٦٧، مع حق العودة، سائرا على درب منظمة التحرير الفلسطينية.
ثم جاء التحول الأبرز فى مواقف الحركة بعد نجاح مرشح الجماعة فى مصر فى الفوز بمنصب الرئيس، ومن ثم بدأت الجماعة على الفور فى دفع استحقاقات التفاهم مع الإدارة الأمريكية، وعلى رأسها التهدئة مع إسرائيل، أقر مندوب الجماعة فى قصر الرئاسة فى القاهرة بالاتفاقات والمعاهدات الإقليمية والدولية، وتعهد بالحفاظ على السلام مع إسرائيل، وزاد من كم وكيف التنسيق الأمنى مع إسرائيل، فى نفس الوقت جرى توظيف الفرع الفلسطينى للجماعة، حركة حماس، فى توصيل رسائل التغير إلى الجانب الأمريكى، ومن ثم قام ممثل الجماعة فى القاهرة برعاية مفاوضات التوصل إلى تهدئة جديدة بين إسرائيل وحركة حماس، قامت الأخيرة بموجبها بتأمين الحدود الإسرائيلية ضد أية عمليات مسلحة، انطلاقا من القطاع.
وجاء التحول الأخير فى مواقف الحركة مع بدء الأعمال المسلحة ضد نظام بشار الأسد، فقد شاركت عناصر جماعة الإخوان فى الثورة على نظام الأسد، وبات مطلوبا من حركة حماس أن تحدد موقفها، وطلب منها النظام السورى «رد الجميل» بإعلان دعم نظام الأسد، وهو موقف يخالف رؤية الجماعة، تهربت الحركة من الرد، وبدأت تنقل عناصرها إلى قطر مرة ثانية وإلى القاهرة للمرة الأولى، ثم بدا واضحا دعمها للثورة على نظام الأسد.
وجاء العدوان الإسرائيلى الأخير على سوريا ليكشف عن إتمام تحول حركة حماس ضد نظام بشار الأسد، فلم تصدر حماس إدانة للعدوان الإسرائيلى على سوريا، بل إن عناصرها الأمنية فرقت تظاهرة ضد العدوان، دعت إليها الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، وهناك من احتفى بهذا العدوان على أساس أنه يضعف من قدرات بشار الأسد ويعجل بسقوط نظامه بأيدى الجماعة، ومن ثم كان عدوان إسرائيل على سوريا مقبولا لديهم.