حروف اللغة العربية 28 حرفا ومن خلالها تولد ملايين الكلمات ولا تزال حتى الآن تتوالد كلمات جديدة تضاف إلى اللغة.. وأفكار الدراما فى العالم لا تتجاوز 36 فكرة تُنجب آلاف الأفلام والمسلسلات.. ولا جديد تحت شمس الدراما ولكن الجديد هو زاوية الرؤية والمعالجة التى يقدمها صانع الفيلم السينمائى.
فى مهرجان الخليج السينمائى الدورة الثانية الذى يقيمه مجلس التعاون الخليجى بالكويت كان موعدنا مع الفيلم الروائى الطويل «تورا بورا» للمخرج وليد العوضى، جبل تورا بورا هذا الاسم الذى صار مرادفا للإرهاب والتطرف ويثير الرعب فى العالم، لأنه كان معقل تنظيم القاعدة «الداخل إليه مفقود والخارج منه مولود».
وطوال مشاهدة الفيلم وهناك سيطرة من فيلم عربى آخر شاهدته قبل نحو 10 سنوات وهو «الجنة الآن» للمخرج الفلسطينى هانى أبو أسعد الذى اقترب من الترشيحات النهائية للأوسكار واقتنص قبلها جائزة «الجولدن جلوب» الكرة الذهبية لأفضل فيلم أجنبى.
الفيلمان يتناولان قضية واحدة وهى الإرهاب المسلح الذى يقتل المدنيين على اعتبار أن هذا هو شرع الله مع اختلاف مسرح الأحداث.. فيلم «الجنة الآن» أرضه الدرامية هى فلسطين المحتلة، بينما فيلم «تورا بورا» تجرى أحداثه فى «بيشاور» على الحدود بين أفغانستان وباكستان وصولا إلى جبال «تورا بورا» ولا بأس بالطبع من أن نرى أكثر من فيلم عربى يتناول تلك القضية الشائكة، ولكن البأس كل البأس هو أن لا تكون مسلحا فكريا وثقافيا وسينمائيا للتعبير عن هذه الفكرة الحساسة.
الفيلم يستند إلى واقعة حقيقية وهى لا تتناول بلدا محددا ولكنك تستطيع أن ترى فيه العديد من التنويعات المماثلة التى شاهدنا الكثير منها فى عالمنا العربى والإسلامى، حيث يتم الخلط بين الدين ودعوته للجهاد فى سبيل الله وبين والقتل والترويع الذى يطول المدنيين على اعتبار أنه أيضا استشهاد فى سبيل الله، بينما هو قتل للنفس التى حرم الله قتلها إلا بالحق.
الفيلم من الناحية الواقعية تم تصويره، خصوصا تلك المشاهد التى تتناول تورا بورا، فى المغرب حيث إن المملكة المغربية صارت مقصدا للعديد من الأفلام التى تحتاج إلى أماكن طبيعية وبات أغلب السينمائيين فى العالم يفضلون الذهاب إليها، حيث يصبح الهدف هو الحصول على تشابه فى مذاق المكان والأجواء.. استعان المخرج بفنان ديكور عالمى هو ماركو تورنتتينى وذلك من أجل الوصول إلى أعلى درجات الدقة التعبيرية فى العمل الفنى.
ولكن ظل الفيلم يتمحور فى إطار فكرى ضيق أدى إلى تقييد المضمون وخضعت المعالجة لحالة من التنميط فى تتابع السيناريو ورسم الشخصيات.
الرهان الصعب هو كيف تصل الرسالة بمعناها المباشر إلى العالم وليس فقط إلى البلد الذى ينتمى إليه الأبطال وهم عائلة كويتية ميسورة الحال، هناك ولا شك مفهوم خاطئ طال الدين الإسلامى فى الغرب بسبب تلك النظرة التى يرى بها البعض الإسلام مرادفا للإرهاب ولعبت مع الأسف العديد من الفضائيات دورا فى نشر تلك الصورة الذهنية بكثرة المشاهد التى نرى فيها من يعد نفسه للشهادة وأمير الجماعة يؤكد له أن هذا هو الطريق للجنة.
السيناريو الذى كتبه المخرج أيضا مع رياض السيف كانت تستهويه خلق ذروة درامية تواجه الأبطال حتى يضمن جذب الجمهور ولكنه أغفل الإحساس الإنسانى، خصوصا أننا بصدد عائلة ذهب ابنها الصغير إلى «تورا بورا» بعد أن تعرض لغسيل مخ، بينما أمه وأبوه بدآ رحلة البحث عنه، وفى نفس الوقت فإن أخاه الكبير ذهب إلى هناك لإنقاذ كل أفراد الأسرة.
شاهدنا قبل نحو 30 عاما مثلا الفيلم الأمريكى «مفقود» للمخرج كوستا جافراس وبطولة جاك ليمون، حيث كان الوالدان يبحثان أيضا عن ابنهما المفقود.. فى الفيلم الأمريكى كنت تتعاطف مع العائلة من خلال تلك الرؤية الإنسانية ولكننا فى «تورا بورا» نرى مجرد رسم تخطيطى هندسى مباشر يحيله إلى شىء أقرب لبناء حجرى خالٍ من المشاعر.
غابت الرؤية الدرامية والفكرية وتحول الأمر إلى مجرد تمضية نحو ساعتين فى عمل فنى كان ينبغى اختصاره على أقل تقدير إلى النصف.. شاب أداءَ الممثلين قدرٌ كبيرٌ من النمطية فى التعبير مثل سعد المفرح وأسمهان توفيق وياسين الحاج، ورغم أن هناك جهدا رائعا فى الصورة وأيضا فى التعبير الموسيقى لرعد خلف فإن المحصلة النهائية هى أننا بصدد عمل فنى يعوزه الكثير، ويبدو كأنه قد ضاع فى جبال «تورا بورا»!!