هل هى جراءة أم بجاحة!.. تحدٍ أم تملق!.. ابتكار أم إفلاس!.. الحقيقة أنه واقع اقتحم شاشات السينما منذ عدة أعوام، يعرض فيلمه المزيف على جمهور يصفه بالجديد بناء على اعتقاد أنه لم يشاهد الأصل، بينما جمهور أقدم لا يزال على قيد الحياة شاهد الأصل ويستطيع بسهولة أن يميز بينه وبين ما يعتبره مزيفًا. أتذكر حضورى فى لندن الحفلة الأولى للعرض الأول لفيلم هيتشكوك الشهير «نفوس معقدة» أو
«Psycho» عام ١٩٦٠، وكنت من ضمن صف من البشر ممتد مثل الثعبان أمام دار العرض بعمق الشارع، فى انتظار لحظة فتح شباك التذاكر لنتدفق بعد ذلك إلى داخل المبنى مارين بلوحة كبيرة تحمل صورة المايسترو هيتشكوك يشير نحو كل منا بأصبعه، ويحدق بعينيه فى عينيك بينما المكتوب على اللوحة ينذرك ويحذرك بأنه لن يسمح لك فى أى حال من الأحوال بدخولك صالة العرض بعد بداية عرض الفيلم. وتأهبت مثل الجميع لجرعة من الإثارة أدارها هيتشكوك بمهارة وتحدٍ بفيلمه بالأبيض والأسود عكس الأفلام الملونة التى أصبحت المعتاد، وزاد تحديه بالتخلص من بطلة الفيلم ونجمة مشهورة بعد خمس عشرة دقيقة فقط بطعنها فى مشهد الدُش، الذى أطلق الجمهور فور ظهوره صرخة مدوية فى آن واحد لحظة إزاحة ستار الحمام، ومع أول طعنة تصيب البطلة يرافقها صوت الموسيقى التصويرية، وكأن هيتشكوك وضع كل رهاناته على هذه اللحظة ليضمن النجاح الفنى والتجارى الذى حققه الفيلم فعليا بعد ذلك. الغريب أن بعد مرور ٣٨ سنة، وبعد رحيل هيتشكوك، يعاد إنتاج الفيلم تحت إدارة مخرج آخر مستغلا نفس السيناريو والتفاصيل والموسيقى التصويرية وتقليد حرفى لجميع المشاهد بنفس عدد اللقطات والزوايا، وأن يحمل الفيلم الجديد نفس الاسم، والفرق الوحيد من وجهة نظر صناعه أنه بالألوان الطبيعية. ربما محاولات المخرج الجديد التخلص من بدلة هيتشكوك الذى فشل فى ارتدائها كان الهروب من زمن أحداث الفيلم الأصلى، التى دارت بمدينة فينكس بولاية أريزونا، فحوّل تاريخ الأحداث لعام ١٩٨٩، وظلت فى نفس المدينة، متجاهلا أى تطورات فى المجتمع ذاته. وما غفل عنه منتجو ومخرج هذا التقليد المزيف هو أن الجمهور الجديد كان سيجد تحفة هيتشكوك على شرائط الفيديو أو أسطوانات الدى فى دى، أو على شاشات التليفزيون بل سيجدها أيضا مسجلة فى كتب تعتبر الفيلم من أهم كلاسيكيات السينما. هناك لحظة فى الفيلم المزيف تجسد الفخ الذى وقع فيه مخرجه الذى اختار أن يفلسف مشهد تدحرج شخصية المُخبر فى أثناء سيل الطعنات الذى نالها فجأة وهو يصعد السلم، فإلى جانب التزامه بنفس عدد وزوايا لقطات الفيلم الأصلى إلا أنه قرر أن يضيف لقطات تداعيات للشخصية ليس لها أى علاقة بالدراما الأصلية، متناسيا أن أستاذه هيتشكوك لم يتفلسف فى أى من أفلامه قدر ما وظف كل الوسائل السينمائية للسيطرة على جمهوره.