ايجى ميديا

لا أحد يسيطر على أحد فى سيناء. ما يحكم الحركة عنصران، شوية أعراف متوارثة من آلاف السنين. ثم وهو الأهم توازن السلاح على الأرض. أتحدث عن توازن السلاح بين القوى والناس أيضا.. الناس كل واحد منهم يعرف أنه لا يستطيع التغول على الثانى، لأنه يعرف أن لكل فعل رد فعل مساويا له فى القوة ومضادا له فى الاتجاه.

والحديد زى الرز (فى سيناء يسمون السلاح حديدا.. والمفرد، اللى زى الآلى، بيسموه حديدة).. هذا عن الحال بين الأفراد.. فماذا عنه بين القوى؟!

٦ قوى رئيسية تلعب، بدرجات متفاوتة، فى سيناء: الجيش - إسرائيل - أمريكا - حماس- إيران - وأخيرا القبائل.. الجيش قوته فى سيناء (سوفت) وفقا لاتفاقيات «كامب ديفيد» ممنوع عليه أن ينزل حديده على الأرض. (مع ملاحظة أن وجود الجيش لا يعنى خالص ألبتة قطعيا وجود الدولة).. إسرائيل أيضا موجودة عبر خطوط، مثل خطوط الغاز، ممدودة على الخريطة لا تُرى بالعين المجردة.. أمريكا موجودة عبر قوات الـMFO. وفيه أخبار تسربت، حول أن تشاك هاجل، لما اجتمع بقادة القوات المسلحة، طلب تزويد هذه القوات بطائرات درون.. حماس موجودة عبر شبكات التهريب التى خلقتها فى أثناء الحصار. وبعد الثورة تقدمت خطوة، حين نجحت فى إخلاء منطقة شرق العريش من وجود الحكومة.. واليوم تتقدم خطوة ثالثة، خلق رجال أعمال (مليونيرية) فى سيناء مرتبطين بها.. إيران هى صُرة المال لمعظم الحركات المسلحة فى غزة، والأخيرة لها امتداداتها فى سيناء، بحكم الدولار وبحكم حاجات أخرى. ظل العنصر الأخير، عنصر القبائل..

القبائل الآن فى أضعف حالاتها، فقد تعرضت لإنهاك متواصل واختراق مستمر، طوال زمن مبارك.. دولة مبارك لم تبق قوة إلا ودمرتها، عدا قوة واحدة، هى القوى الدينية.. مبارك ترك الإخوان كما ترك السلفيين (بعد الثورة واحد من قرايبى السلفيين استفسر: يا خوى ما انا عارف هو مبارك ليش خلانا؟!.. يمكن منشان إسرائيل؟!.. وأضاف بسرعة: ما فيه سبب ثان؟!!).. كان يقصد أنه لا يوجد سبب آخر.. لم أجب على استفسارات قريبى. كثيرا.. بل دائما (ربما ٩٩٪) أريح راسى من إجابات لا تقدم ولا تؤخر.. الحقيقة أن أسباب مبارك متعددة.. منها نحر كل القوى الموجودة باستخدام سكاكين القوى الدينية.. ثم الالتفاف عليها بدعوى محاربة الإرهاب.. وهى فكرة بسيطة خالص، ورثتها المخابرات الأمريكية عن المخابرات البريطانية.. واستخدمت مرات متعددة، فى أماكن مختلفة من العالم، أشهرها أفغانستان.. لكن البائس مبارك، بدلا من أن يلتف، التفت عليه الأيام وحطته فى قبضة من لا يرحم..

نعود إلى القبائل «وهى العنصر الأهم، ليس لأنه الأقوى. وإنما لأنه صاحب الأرض الحقيقى. الذى أنهك إسرائيل طوال احتلالها لسيناء. لا أقول هذا الكلام فى سياق بيع الوطنية. فهذا كلام حقيقى موثق، ومن قرأ مذكرات قادة الحرب الإسرائيليين، موشيه دايان مثلا، يعرفه ويفهمه ويستوعبه».. والقبائل، بجسدها العريض، بطبيعة التكوين وطبيعة المصالح وطبيعة الصراع وطبيعة الجغرافيا وطبيعة التاريخ، لا يمكن أن تستريح فى فضاء، غير فضاء الدولة المصرية.. أتكلم عن دولة مصرية حقيقية، تعددية -ديمقراطية -تحترم حقوق الإنسان وفى الحد الأدنى تحترم التنوع والاختلاف. وهى الدولة نفسها التى قامت من أجلها الثورة. وما زال ثوار حتى لحظتنا، يقيمون فى الزنازين وتسيل دماؤهم على الأسفلتات وفى الشوارع من أجلها..

أنا على يقين أن الجيش قادر على كسب كل المعارك فى سيناء.. بشرط أن ينقلب الهرم.. وبدلا من أن تكون الدولة أداة فى يد الجيش، يصير الجيش أداة فى يد الدولة.. وهذا محتاج لنضال طويل ومرير. نضال سياسى واقتصادى واجتماعى لتشييد مؤسسات الدولة.. وبناء دولة المؤسسات.. والسبب؟. لأن الفاشية، مثل البوم، لا تنقض إلا على الخرائب.. مبارك ترك مصر خرائب.. والخرائب تحتاج لإزالة وعمران.. والإزالة والعمران تحتاجان إلى استراتيجيات وخطط.. الفاشية ليس لديها خطط.. بالأحرى كل خطط الفاشية هى التمكن من الخرائب. لإبقائها خرائب..