أخيرا تم التعديل الوزارى، فقد خرج عدد من الوزراء فى حكومة هشام قنديل «القديمة» وحل محلهم وزراء جدد فى حكومة هشام قنديل «الجديدة-القديمة» التى أدت اليمين الدستورية أمام رئيس الدولة قبل دقائق من مغادرته القاهرة، متوجها إلى البرازيل، فهل تغير شىء؟ الجواب: لا، لم يتغير شىء على الإطلاق، وإن كان قد تغير شىء، فالأرجح أن يكون نحو الأسوأ.
لم يكلف أحد من الرسميين نفسه ليشرح للمواطنين المصريين لماذا كان هذا التعديل الوزارى ضروريا، وما المعايير التى تم على أساسها اختيار الوزراء الجدد، ومع من من المرشحين أجرى رئيس الوزراء مشاوراته، ولماذا جرت هذه المشاورات فى ظلام تام؟ ويبدو أن رئيس الوزراء نفسه لم يكن يعلم كم عدد الوزراء الذين يتعين أن يشملهم التعديل الوزارى. بدليل أنه أعلن، قبل ساعات قليلة من حلف اليمين، أن عدد الوزراء الذين سيشملهم التغيير سيكون أحد عشر وزيرا، ثم تبين عند حلف اليمين، أو قبل حوالى نصف ساعة فقط من الموعد المحدد لحلف اليمين، أنهم تسعة وزراء فقط. وإن دل ذلك على شىء فإنما يدل على حالة من الغموض والارتباك لم يسبق لمصر أن عاشت مثلها من قبل، تتسم بالغياب التام للقواعد المتعارف عليها فى إدارة الشأن العام.
نعم: كان الشعب المصرى يتوق لتغيير الحكومة لأنها فشلت فى حل أى مشكلة من المشكلات التى تواجهها مصر فى المرحلة الراهنة. غير أنه كان يتطلع إلى تغيير حقيقى يسفر عن تشكيل حكومة قادرة على التعامل بقدر أكبر من الكفاءة مع هذه المشكلات. ولأنه يدرك يقينا أنه يستحيل التعامل بكفاءة مع أى من المشكلات التى تواجه مصر حاليا ما لم تنته تماما حالة الاستقطاب السياسى القائمة، فقد كان شعب مصر يتوق إلى حكومة قادرة على تذليل العقبات التى تعترض التوصل إلى توافق عام حول سبل حل هذه المشكلات، وهو ما كان يستدعى حتما تغيير الوزارة بكاملها، خصوصا رئيس الوزراء نفسه، وليس مجرد إدخال تعديل محدود على الحكومة القائمة. لذا فإن مجرد الإبقاء على الدكتور هشام قنديل رئيسا للحكومة الجديدة شكل، منذ اللحظة الأولى لإعلان رئيس الدولة عن نيته فى إجراء تعديل وزارى، استفزازا للجميع، فيما عدا الحزب الحاكم، وأدى إلى تضييق الوعاء أمام رئيس الوزراء لاختيار عناصر أفضل من تلك التى كانت قد تقدمت باستقالتها فعلا، أو أعلنت عن رغبتها فى ذلك، أو تلك التى تقرر تغييرها.
لا أعتقد أن أحدا، أيا كان مستوى وعيه الفكرى أو السياسى، سوف يصدق أن أداء الحكومة الجديدة سيكون أفضل من سابقتها لمجرد أن المستشار أحمد سليمان حل محل المستشار أحمد مكى وزيرا للعدل، أو لأن الدكتور عمرو دراج أصبح وزيرا للتخطيط والتعاون الدولى، بل الأرجح أن يكون العكس هو الصحيح. لذا أعتقد أن الغالبية العظمى من الشعب المصرى سترى أن ما تم من تعديل وزارى يتجه بمصر نحو الأسوأ، وأن الحكومة التى أدت اليمين أمس أقل كفاءة من سابقتها. وليس لذلك سوى معنى واحد هو أن الأزمة السياسية القائمة فى البلاد تتجه نحو التفاقم وليس الحل. فما العمل إذن؟
أعتقد أن الكرة أصبحت الآن فى ملعب المعارضة. فعلى قوى المعارضة، إن كانت هناك معارضة حقيقية للنظام الحاكم فى مصر الآن، أن تتخلص من أى وهم حول إمكانية إجراء حوار وطنى حقيقى فى ظل الأوضاع القائمة حاليا، فالرئيس وحكومته مصران على استبعاد الجميع. لذا بات عليها الآن أن تأخذ زمام المبادرة بنفسها، وأن تقوم بتنظيم صفوفها لإقناع الرأى العام بأنها تشكل بديلا أفضل. فإذا استطاعت قوى المعارضة أن تشكل، على سبيل المثال، «حكومة ظل» تطرح حلولا مختلفة للمشكلات التى تواجه مصر غير تلك التى تطرحها حكومة هشام قنديل، وأن تشكل «برلمانا موازيا»، كذلك الذى تشكل أيام أحمد عز، يمكنه التشريع بصورة أفضل، أظن أنه سيكون بمقدور مصر فى هذه الحالة أن تتقدم خطوة مهمة إلى الأمام. لذا لم يعد يخالجنى أى شك فى أن تنظيم صفوف المعارضة أصبح الآن هو الرد الوحيد على عناد القائم لإجباره على إحداث التغيير المطلوب، فإذا لم يأت رد المعارضة مقنعا للرأى العام وممهدا الطريق نحو تغيير بالطرق السلمية، فأظن أن مصر ستمر حينئذ بأيام صعبة.