الأفلام الخليجية تدخل دائما فى صراع من مهرجان إلى آخر، قبل أقل من شهر كانت تتنافس فى مهرجان الخليج الذى أقيم فى دولة الإمارات فى دبى، هذه الأيام انتقل الصراع إلى دولة الكويت فى المهرجان الذى يقيمه مجلس التعاون الخليجى.
القيمة المادية للجوائز على عكس ما يتبادر إلى الذهن محدودة، ليس فقط بالقياس إلى المهرجانات الخليجية، ولكن المصرية تمنح مبالغ نقدية أكبر، حيث إن الجائزة الكبرى لأفضل فيلم روائى طويل 15 ألف دولار، ولا تتجاوز فى التسجيلى 12 ألف دولار، وفى الفروع الفنية 3 آلاف دولار.
إلا أن هذا لم يمنع أن تشتعل المنافسة فى المسابقتين «الفيلم الروائى والتسجيلى»، ونتوقف هذه المرة مع الفيلم التسجيلى الطويل «أمل».
الفنان عادة لا يجد نفسه إلا فى أحضان الوطن فهو يبدع أولاً لأهله وناسه، ولكنه من الممكن أن تجبره الظروف على الهجرة، وفى الفيلم الإماراتى «أمل» للمخرجة نجوم الغانم نجد أمامنا الفنانة السورية أمل الخوجة التى تضطرها الظروف الاقتصادية والاجتماعية فى بداية المشوار الفنى إلى أن تنتقل إلى العمل فى الإمارات وعندما تقرر العودة إلى بلادها فى منتصف العمر تجبرها الملاحقة الأمنية على أن تعود مرة أخرى إلى الإمارات.
الفنان عندما يهاجر بعيدا عن وطنه ويسافر إلى الخارج مهما احتضنته الدولة التى يعمل فيها وتحقق ماديا وأدبيا، فإنه لا ينسى أن قضيته هى أن يوجد أولا على أرضه.. «أمل» درست المسرح فى سوريا خلال الثمانينيات، وكانت من بين دفعتها فنانة قالت لا وبصوت عالٍ ضد الطاغية بشار وهى مى سكاف وأنشأت فرقة مسرحية فى سوريا والآن كثيرا ما تتعرض للاعتقال لأنها رفضت أن تصبح واحدة ممن يهتفون «الله سوريا بشار وبس» ردا على الثوار الذين يعلو نداؤهم قائلين: «الله.. الوطن سوريا.. وبس»!!
أمل تروى جوانب عديدة من حياتها الشخصية والمهنية طوال أحداث هذا الفيلم التسجيلى، ونحن نستشعر مدى حبها لخشبة المسرح وكيف أنها تزوجت الفن وبعد أن تأقلمت على تلك الحياة ظهر رجل فى حياتها قررت أن تكمل معه المشوار.
السينما كانت قاسية عليها ولم تمنحها وجودا تستحقه على خريطتها، حيث إنها تعرضت إلى فيروس نادر أدى إلى نوع من الشلل فى جزء طفيف من الشفة السفلية هذا العيب وقف فى ما بعد حائلا بينها والكاميرا السينمائية!!
حاولت أن تجرى عملية جراحية أكثر من مرة، وكان الأطباء يؤكدون أن المنطقة حساسة وهناك تخوف من أى تدخل لمشرط الجراح، وتعايشت مع الموقف ولم تفقد الأمل على اعتبار أن أداء الممثل من الممكن أن يتجاوز عن الكثير وأن الإحساس قادر على الوصول إلى الناس!!
أهم ما يمكن أن تلاحظه فى هذا الفيلم التسجيلى أن أمل كانت تلتقط لها صور من الجانب الأيمن الذى من الممكن ببعض التدقيق أن تلاحظ بالفعل وجود ثبات فى جزء من الشفة السفلية، ولكنها سلمت نفسها إلى الكاميرا من دون شروط مسبقة، بينما كثير من النجمات يشترطن زاوية للتصوير ومصورا محددا لالتقاط جانب واحد من الوجه يعتقدن أنه الأجمل.
أمل قررت أن تعلن رأيها وتقف مع الشعب ضد الطاغية ولم تفعل مثل الأغلبية من الفنانين السوريين الذين يفضلون الوقوف فى تلك المنطقة الرمادية، الفنان الحقيقى فى لحظات مصيرية لا يملك سوى أن ينحاز إلى الشعب حتى وهو موقن أن هناك ثمنا سوف يُدفع فقررت أمل أن تشارك شعبها ووطنها وتدفع الثمن.
الفيلم تناول الغربة التى تغتال الإنسان مهما كان يعيش فى مجتمع بطبعه يرحب بالآخرين على أرضه ويمنح لهم الفرصة كاملة مثل دولة الإمارات، إلا أنه فى نهاية الأمر يظل يبحث عن نفسه!
عندما أرادت أن تنهى غربتها لتحقق حلمها فى وطنها اكتشفت أن سوريا تعيش فى الغربة فقررت أن تؤجل حلمها لتعيش حلم الوطن!!
للإمام على بن أبى طالب -كرم الله وجهه- كلمة موحية فهو يقول «الفقر فى الوطن غربة والغنى فى الغربة وطن»، وكل من شاهد هذا الفيلم واضطر فى مرحلة ما من حياته أن يهاجر سوف يجد فى حياة أمل خويجة شيئا من حياته.
المخرجة نجوم الغانم قدمت فيلما تسجيليا ممتعا عن حياة فنانة سورية عاشت الغربة مرتين!!