أعتقد أن إنارة العقول بكل الوسائل، ومنها استخدام صدمات الكهرباء العلاجية، هى القضية الأم التى تستحق منا كل النضال والجهد والوقت، وهى قضية لن تؤتى ثمارها إلا باتباع سياسة النَّفَس الطويل لتشجيع الناس على إخضاع ما يألفونه من أفكار وأمور يرفعونها لمرتبة التقديس، للفحص الدورى تحت مجهر البحث عن الحقيقة. لا خير يُرتَجى من أمة تغلق أبواب عقلها على أوهامها وضلالاتها وتتمسك بكل ما أورثه لها الأقدمون فتعيش به وله دون أن يقلقها أنها تستخدم أغلب ما آل إليها من ميراث الأجداد الذى كان نتاجًا لظروف عصره، وكأنه متاع يبقى صالحًا للاستخدام أبدَ الدهر. الفكرة ليست صخرة أو ثمرة فاكهة. الفكرة هى الشىء الوحيد الذى لا يمكن للجميع رؤيته على هيئة محددة، بل يثبت لنا الواقع كل لحظة أن شكلها ومضمونها يختلف باختلاف عقل وتجربة وموقع مَن ينظرون إليها! كل الأفكار تنطبق عليها هذه القاعدة، والأمة التى لا تدرك ذلك هالكة بلا جدال. يتعجب الرجل الشرقى المسلم عندما يرى الحرية التى تمنحها المجتمعات الغربية للمرأة فيتهم رجالها فى شرفهم ونخوتهم ويصف حضارتهم بالانحلال لأنها لا تصون المرأة عندما تساويها بالرجل، بل تحولها إلى سلعة رخيصة، على حد قوله، بينما يتعامل هو معها باعتبارها جوهرة نفيسة يجب أن يحفظها فى علبة من القطيفة، ولا يرى أنه يسجنها ويجور بهذا على حقها ويعتدى على كرامتها! على الجانب الآخر يشمئز الرجل الغربى عندما يرى القيود التى تكبّل المرأة فى المجتمعات الإسلامية والتى لا تصل فقط إلى حرمانها من التمتع بالحب والحقوق السياسية بل أيضًا إلى منعها من ممارسة الرياضة والفنون وقيادة السيارات! يرى هذا فيصف حضارتنا بالدونية وذكورنا بالأنانية لأنهم لا يجدون مشكلة فى التعامل مع المرأة بوصفها كائنًا بشريا تابعًا لا يملك مصيره، ولا يشعرون بارتكابهم جريمة عندما يحرمونها من حقوقها بدعوى حمايتها، بل وبدعوى حماية المجتمع من شرورها المحتملة باعتبارها كائنًا ناقص العقل والدين، بل ورمزًا للفسق والغواية يمشى على ساقين ويدعو الذَّكر المسكين إلى التحرش جنسيا بها! يعتبِر الرجل الشرقى المسلم نفسه مظلومًا وضحية تنسحق منذ الأزل بين شِقَّى رَحَى (حَجَرَى مطحنة) هما غواية المرأة ومكيدة الشيطان! ويمصمص شفتيه بأسًى على سجادة صلاته لأن البعض منا لا يفهم مثله أن الحضارة الغربية فاسقة ومنحلّة وينصحنا بأن لا يغرّنا تفوقها التكنولوجى الذى لن يحميها من الانهيار بتأثير سوسة الخطيئة التى تنخر فى أعمدة بنيانها! يقول هذا كأن حياتنا فاضلة لا تتأرجح بين مجتمعين أحدهما يعيش فى مستنقعات العشوائيات التى تُهدَر فيها الإنسانية إلى حد يصل إلى زنى المحارم، وآخر يحيا فى ترف مستفز يتم تفريغه من كل القيم والمبادئ. على الجانب الآخر يحتسى الرجل الغربى البراندى الفاخر، ويسخر من المسلمين ويعتبرهم همجا تفزعهم الحريات التى يرونها فى الغرب فيظنون أنها أصل الداء رغم أنها (من وجهة نظره) لا تمثل سوى الأعراض الجانبية لدواء التقدم الحضارى. ينظر إلينا من أعلى فيترسخ فى قناعته يومًا بعد يوم أننا حمقى نفضل العيش تحت وطأة المرض لأن الأعراض الجانبية لدواء التقدم الذى يجب أن يتجرعه المجتمع ليصل إلى المدنية والحداثة تقلقنا ولا تروق لنا! أىُّ الطرفين على حق؟ الإجابة ليست بسيطة لكنها تكمن باختصار فى أن التجربة الإنسانية مفيدة إلى أبعد الحدود ولكنها لا تستنسخ ولا تتكرر بحذافيرها. الغرب تقدم لأنه تعلم أن يخضع تابوهاته (أفكاره الموروثة التى لا تقبل المناقشة) للفحص المجهرى وأجرى عليها تجاربه المجردة المحايدة فى معمل البحث عن الحقيقة. ليس من حقنا أن نتهم حضارته بالزيف لأن الأعراض الجانبية التى نتجت عن تناوله للدواء الذى توصل إليه لحل مشكلاته لا تعجبنا. المراقب المحايد من حقه أن يقول لنا: أرونى شطارتكم! تحملون زجاجة فارغة طوال قرون وتزعمون أن بداخلها الدواء الشافى! ويومًا بعد يوم يستفحل الداء وتموت شعوبكم أمام أعينكم من الفقر والاستبداد وندرة الإبداع فلا تتعظون من موتهم، بل يأتى خلفاؤكم ليجبروا أحفادهم على إعادة تجرع نفس الزجاجة الفارغة بلا ذرة من عقل! لم يعد هناك ثمة وقت أو ترف لتكرار الخطأ. تستخدمون نفس القوالب الجاهزة النمطية التى لا تحل مشكلاتكم بل تقودكم إلى المصائب فى كل مرة ثم تعيدون استخدامها وتتوقعون بسذاجة وقلة عقل أنها ستقودكم إلى نتيجة جديدة مبهرة! بالله عليكم أخضعوا أفكاركم المتحفية للبحث وللتجربة المعملية بلا حماية كاذبة تسبغونها عليها. لا طريق أمامكم سوى هذا. أرونى شطارتكم التى ستجدون بها حلا يقود مجتمعاتكم إلى رُقىّ حقيقى به حرية بلا انحلال وحماية للمرأة بلا قهر لها، ويسعد بتحضر بلا أعراض جانبية ترفضونها؟ ما هو دواؤكم؟ ما أعراضه الجانبية التى ستكون أقل وطأة على نفوس شعوبكم من الأعراض الجانبية التى أنشأتها الحضارة الغربية؟ إما أن تفعلوا هذا وإما أن تبتلعوا ألسنتكم وتخرسوا. لا فائدة تُرتجَى من مشعوذ يشخط فى الناس، ويخبرهم بأنه يمتلك إكسير التقدم، ويتعجب أشد العجب لأن المرضى لا يشفون من زجاجته الفارغة التى يسكب منها الوهم فى أفواههم. يفعل هذا وهو يحطم زجاجات الآخرين مدَّعيًا أن بها سما مميتا لا يصلح كعلاج! لا غرابة مطلقًا فى أن يرفض مريض الفصام الخضوع لجلسات الكهرباء. الغرابة كل الغرابة أن يوافقه على هذا مَن يظنون أنهم أصحاء، ويرفضون أن يُخضِعوا تابوهاتهم للفحص والنقاش.
جلسة كهرباء
مقالات -
نشر:
7/5/2013 3:40 ص
–
تحديث
7/5/2013 9:19 ص