سبقنا العالم فى لعب كرة القدم، ثم سبقنا مرة أخرى فى تطوير تلك اللعبة الجماهيرية، قبل أن يسبقنا مرارا وتكرارا ويطبق الاحتراف ويكسب من ورائه مليارات الدولارات، وكنا دائما وأبدا تابعا يقلد ما يرى ويطبقه سواء كان مناسبا أم لا.
لكن بعد نهاية الألفية الثانية ودخول عصر الفضائيات نجحت مصر للمرة الأولى فى التفوق على العالم فى مجال كرة القدم، وابتكرت جديدا لم يسبقها إليه أحد، حيث لم يسبق لهذا العالم -المسكين- أن أصبح لأحد لاعبيه المشاهير أو حتى المغمورين برنامج «توك شو» رياضى، يستضيف فيه ضيوفا كيفما شاء، ليناقش أحوال الكرة والسياسة، وأحيانا الطبيخ إذا شاء.
ومع انتشار القنوات الرياضية فى مصر، صار لتلك الفضائيات برامج متعددة، يأتى فى مقدمتها برنامج اللواء الكابتن مدحت شلبى، ضابط الشرطة المتقاعد، الذى فشل فى أن يكون لاعبا للكرة من خلال نادى الشرطة الذى لعب له شابا، ثم فشل فى أن يكون مدربا من خلال تدريبه لنادى الشمس فى تسعينيات القرن الماضى، وفشل فى أن يقدم برامج خفيفة للمسابقات فى التليفزيون الرسمى المصرى الذى أدمن احتضان الفشل طوال عمره.
ثم احترف التعليق على مباريات الكرة ليترك بصمته الوحيدة «بيبو وبشير»، قبل أن يرفضه جمهور الأهلى والزمالك معا فى سابقة يندر تكرارها مع معلقى الكرة.
ثم تفرغ ليكون المتحدث الرسمى لعدة مجالس إدارة لاتحاد الكرة المصرى الذين فشلوا جميعا فى الإدارة، وأخيرا فى 2007 نجح اللواء المتقاعد فى أن يقدم استوديو تحليليا عن الدورى المصرى فى قناة «أوربت» الرياضية، والتى انتقل بعدها إلى قناة «مودرن سبورت» الفضائية كمقدم لبرنامج بعنوان «مساء الأنوار» إلى جانب مجموعة كبيرة من البرامج من أشهرها «استاد إفريقيا»، و«حصاد الأسبوع».
وكالعادة وبلا أى مؤهلات أو مبررات صار الكابتن مدحت شلبى يتحدث فى ما يشاء وقتما يشاء دون أى خلفية رياضية كانت أو سياسية أو حتى علمية.
ومن تأييد مبارك ومن بعده المجلس العسكرى واللطم والندب فى حب مصر إلى حلقات عديدة ما زال الكابتن يواصل عمله «مستيقظا» دون هوادة.
الناس دى عايزة مننا إيه يا كابتن مدحت؟!
الحقيقة سيدى اللواء الناس «عايزة» الصمت، تركنا لكم الكرة فافعلوا بها ما شئتم، وأبدعوا من خلال التحليل المصرى الأصيل، «الفريق لاعبوه متشبعة بالبطولات» فى حالة خسارة فريق كبير، «التغييرات فى محلها» إذا فاز الفريق، «المدرب لم يحسن قراءة المباراة» فى حالة الخسارة، وكل هذه التعبيرات المبتذلة المكررة، لكن كفوا ألسنتكم عن السياسة، وكل مسابقة دورى «مستمرة» وأنتم بخير.
■ ■ ■
على النقيض تماما من الكابتن مدحت يقف الدكتور الكابتن علاء صادق، ذلك الإعلامى المخضرم، الذى بدأ حياته الرياضية صحفيا ليثبت أن المجال يعطى المتخصصين فى دولة تحتقر التخصص، لكن خريج كلية طب جامعة الإسكندرية والذى بدأ شهرته من خلال تقديمه الفقرة الرياضية للبرنامج الإخبارى «أنباء وآراء» على القناة الثانية المصرية فى تسعينيات القرن الماضى أيضا تحول منذ تولى الرئيس الدكتور محمد مرسى عن الرياضة ليمارس دورا آخر.
وبما أنه لاعب كرة قدم سابق فى نادى الأوليمبى، ثم حكم سابق، قرر أن يكون إعلاميا سابقا ويتفرغ لتقديم شخصية «عبده مشتاق» التى ابتكرها الكاتب الكبير أحمد رجب فى الكاريكاتير الذى كان يرسمه مصطفى حسين فى جريدة «الأخبار»، والمدهش أنه أتقن الشخصية لدرجة كبيرة، والتى تزيد درجة ولائها للنظام كلما تجاهلها واستبعدها من أى منصب.
وفى ظل عصر التبرير الذى سيسجله التاريخ باسم جماعة الإخوان المسلمين سيتحدث التاريخ طويلا عن الدكتور علاء صادق سابقا بوصفه المبرر الأول وحامل شعلة -مشيها شعلة- التبرير ومعلمه.
ربما فقد النقد الرياضى الدكتور بعدما فقده الطب والرياضة، وندعو الله أن لا يفقده التبرير، ويكون قد وجد ذاته التى يبحث عنها منذ سبعينيات القرن الماضى.
■ ■ ■
الإعلام الرياضى المصرى حالة مبهرة لأى متخصص أو متابع، اخترت منها نموذجين فقط، لكنه ملىء بالخيرات التى تبعث على الدهشة، على رأسهم أحمد شوبير وأيمن يونس، وخالد الغندور، ومجدى عبد الغنى والكثيرين، الذين يرفع الإعلام يديه استسلاما أمام ما يقدمونه، بل ويدعى البعض أنه أوشك على الانتحار، حيث يقوم لاعب الكرة المصرى بثقافته المحدودة للغاية التى يعمل على محوها إن وجدت خلال سنوات ممارسة اللعبة، على الاختيار ما بين التدريب أو الإدارة فى ناديه، أو الإعلام، وحتى الآن لم يتم التوصل إلى المجرم الحقيقى فى وضع الإعلام ضمن المجالات المطروحة على اللاعبين المعتزلين.
ولأن الرياضة، خصوصا كرة القدم سلعة رائجة قامت كل محطة بإطلاق قناة رياضية أو تخصيص جزء من بثها لكرة القدم، وعلى الرغم من وجود أكثر من نحو 10 فضائيات ما بين هذا وذاك، فإنها جميعا تكتفى بعرض الدورى المصرى فقط عملاً بالمثل الشهير «كل برغوت على قد دمه»، ولنشاهد كرة تليق بمعلقيها ومحلليها ومقدميها، بينما نشاهد على «الجزيرة الرياضية» تلك اللعبة الأخرى التى يمارسها العالم ويطلقون عليها نفس الاسم، من خلال مقدمين محترفين متعلمين يستضيفون أحيانا -فى المباريات التى تشارك فيها الفرق المصرية فقط غالبا عدا اسم أو اثنين- نفس ضيوف الفضائيات المصرية من باب «الونس».
وتبقى أحد أهم إنجازات ثورة يناير، أنها كشفت لنا ما يمارسه البعض تحت مسمى «الإعلام الرياضى».