انشغل مرسى وجماعته بطلب فتوى حول تقديم التهنئة للمصريين الأقباط بعيد القيامة، وأفتاهم الشيخ عبد الرحمن البر، مفتى الجماعة بعدم جواز ذلك، لأن عقيدة الصَّلْب والقيامة تخالف ما يعتقده المسلمون، وهو أمر يقر به الجميع، ويعرفه رجال الدين المسيحى والإسلامى، ولكن منذ متى كانت التهنئة فى المناسبات الدينية تعنى الإقرار من القائم بالتهنئة بالمعتقد الدينى الذى يتم الاحتفال به، فالمصريون يتبادلون التهانى فى الأعياد الدينية كمصريين ولم يخطر ببال أحد منهم هل تهنئتى لشقيقى المصرى المسلم أو المسيحى فى مناسبة دينية تعنى إقرارا منى بمعتقداته الدينية أم لا، كانت فطرة المصريين سليمة وكانوا يعرفون أنهم مختلفون فى الدين، وكان المسيحى يبادر بتهنئة المسلم بعيد الأضحى دون أن يسأل نفسه هل يجوز ذلك أم لا، لا سيما أن الاحتفال الإسلامى بعيد الأضحى يتم لإسماعيل بن إبراهيم، فى حين أن المسيحية تشارك اليهودية فى أن التضحية كانت بإسحاق بن إبراهيم. لم يتوقف أحد من المسيحيين المصريين أمام الاختلافات الدينية والعقائدية بين المصريين، كذلك كان حال المصريين المسلمين الذين لم تتوقف غالبيتهم الساحقة أمام هذه الاختلافات فى ما يخص تبادل التهانى بالمناسبات الدينية. هكذا كان ولا يزال موقف الأزهر الشريف، ففى زمن التردى والتراجع عن كل ما هو مصرى، حافظ الإمام الأكبر شيخ الجامع الأزهر على هذا التقليد المصرى، بل الإنسانى، ومن ثم بادر الإمام الأكبر بزيارة الكاتدرائية المرقسية بالعباسية مع وفد رفيع المستوى من المشيخة وقدم التهنئة بالعيد للبابا تواضروس الثانى، وانهالت برقيات ورسائل التهانى بالعيد من المصريين المسلمين إلى أشقائهم المصريين المسيحيين، كل ذلك بينما مرسى وجماعته مشغولون بطلب فتوى تحدد لهم الموقف من تهنئة المصريين المسيحيين بالعيد من عدمه، وقد جاءت الفتوى من مفتى الجماعة بأنه لا يجوز، فبادر مرسى بتهنئة الأقباط بعيد العمال!
ليلة الاحتفال بعيد القيامة كانت مصر الحقيقية هناك، عشرات الشخصيات المصرية العامة كانت حاضرة فى الكاتدرائية، غابت الجماعة ولم تشارك ووجد بعضهم كرئيس مجلس الشورى فى حضور عضوين مسيحيين من المجلس تمثيلا لرئيسه، وبذلك لم يحضر الرجل ولم يرسل عضوا فى الجماعة ولا مسلما حتى لا يتحمل وزر أنه قد بعث به للمشاركة فى هذه المناسبة التى يقول لنا الإخوان فيها إنها تخالف عقيدتهم، وهو أمر نعلمه تماما ومنذ نعومة أظفارنا، كل مصرى يعرف ذلك، ولم تحول هذه المعرفة دون تبادل التهانى بالأعياد.
فى الكاتدرائية المرقسية بالعباسية جاء الرد الشعبى التلقائى والذى يمكن اعتباره بمثابة عينة عشوائية من المصريين تمثل كل الفئات والطبقات والأعمار، بدأ قداسة البابا كلمته بذكر قائمة المهنئين بالعيد، بدأ برئيس الجمهورية الذى أجرى مكالمة هاتفية مع البابا، وشرح البابا الموقف وأطال الشرح، عسى أن يبدأ أحد بالتصفيق تحية للرئيس فلم يحدث، خمسة عشر ألفا من المصلين من مختلف الفئات والطبقات والأعمار لم يبادر واحد منهم بمحاولة التصفيق لتحية الرئيس، كان الصمت رهيبا ومهيبا، وكذلك كان الحال مع رئيس الوزراء ورئيس مجلس الشورى، وما كان قداسة البابا يذكر الإمام الأكبر شيخ الجامع الأزهر الدكتور أحمد الطيب حتى انتفض كل من فى الكنيسة تصفيقا، وبعضهم فضل أن يفعل ذلك وقوفا، إجلالا وتقديرا لمقام وشخص الإمام الأكبر، وتكرر المشهد مرة ثانية مع ذكر قداسة البابا لاسم وزير الدفاع الفريق أول عبد الفتاح السيسى، وأيضا رئيس نادى القضاة المستشار أحمد الزند، واستمر مشهد التصفيق عقب ذكر أسماء شخصيات مصرية عامة شاركت فى بدء احتفالات العيد بالكاتدرائية.
فى الكاتدرائية عبر المصريون الأقباط عن تقديرهم لكل ما هو مصرى أصيل، وأحجموا عن توجيه التحية لمن لم يشاركهم التهنئة، وهو أمر طبيعى ومنطقى، فمن يتردد فى تقديم التهنئة بالعيد لمصريين بصرف النظر عن ديانتهم، لا يُنتظر منهم تصفيق أو ينتزع منهم إعجاب، فقد شغلوا أنفسهم بطلب فتاوى عن جواز التهنئة، وكأن الأقباط ينتظرون من الجماعة تهنئة بالعيد، وهو أمر غير صحيح بالمرة، فالأقباط احتفلوا بأعيادهم على مر التاريخ فى ظروف أكثر سوءا وتدهورا، ومع حكام أكثر ظلما وانغلاقا.
فى الكاتدرائية المرقسية بالعباسية ظهرت مصر الحقيقية، مصر المصرية الطبيعية لا المزيفة ولا المصطنعة، هنأ المصريون بعضهم بعضا بعيد القيامة المجيد، تبادلوا التهانى، يحدوهم الأمل فى أن مصر المصرية سوف تنتصر وسوف تواصل طريقها وتتجاوز كبوتها وعثرتها الراهنة.