عاد اسم المناضل الفلسطيني مروان البرغوثي يتردد بقوة في الشارع الفلسطيني وكواليس السياسة في الآونة الأخيرة, فبعد مرور 11 عامًا على أسر القائد الفتحاوي مروان البرغوثي كانت مدينة رام الله منشغلة بأعمال مؤتمر «الحرية والكرامة» الدولى لإحياء ذكرى اعتقاله بمشاركة شخصيات دولية رفيعة، من بينها الرئيس الأمريكي السابق جيمي كارتر، الذي وجه رسالة مصورة إلى المؤتمر, ونائب رئيس البرلمان الأوروبي إيزابيل دورون وأحمد ديدات، الناشط الأفريقي، أحد رفاق القائد الجنوب أفريقي، نيلسون مانديلا.
يتصدر اسم القائد الفتحاوي هذه الأيام استطلاعات الرأي العام كرئيس محتمل للشعب الفلسطيني في انتخابات مقبلة, وفي وقت يزداد فيه الحديث عن خلافة الرئيس محمود عباس «أبو مازن», بدأ بعض قادة فتح أخيرًا بإظهار اهتمام خاص بالبرغوثي، بسبب عدم اتفاق أعضاء اللجنة المركزية على أي منهم لخلافة عباس في أي انتخابات مقبلة, خصوصًا أن الرئيس الفلسطيني البلغ من العمر 78 عامًا أعلن مرارًا أنه لن يرشح نفسه في الانتخابات.
يكاد يكون هناك إجماع على أن البرغوثي هو الشخصية الوحيدة القادرة على الحصول على شبه إجماع لقيادة الحركة مستقبلا والفوز في أي انتخابات عامة, فاستطلاعات الرأي تظهر أن البرغوثي هو الشخصية الوحيدة في حركة فتح القادرة على الفوز على أي مرشح من حركة حماس لرئاسة السلطة, علمًا بأن شعبية البرغوثي تزيد على شعبية الرئيس عباس نفسه.
ينظر الفلسطينيون إلى البرغوثي باعتباره مهندس الانتفاضة وعقلها المدبر ورمزًا لمقاومة الاحتلال, وفي سيرة الرجل قال رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق ارئيل شارون بعد اعتقاله الأخير: «يؤسفني إلقاء القبض عليه حيًا, وكنت أفضل أن يكون رمادًا في جرة », وعلق شاؤول موفاز، وزير دفاعه في ذلك الوقت، بأن اعتقال البرغوثي هو هدية عيد الاستقلال التي يقدمها الجيش للشعب الإسرائيلي, فاعتقاله ضربة قاتلة للانتفاضة, أما الياكيم روبنشتاين، المستشار القانوني للحكومة الإسرائيلية، فقال: «إن البرغوثي مهندس إرهابي من الدرجة الأولى، وقد راجعت ملفاته طوال ثلاثين عامًا، ووجدت أنه من النوع الذي لايتراجع، لذلك يتوجب أن يحاكم بلا رحمة، وأن يبقى في السجن حتى وفاته».
لقد تعرض البرغوثي لأكثر من محاولة اغتيال ونجا منها, وفي إحداها أطلقت عليه وعلى مساعديه صواريخ موجهة, وأرسلت سيارة ملغومة خصيصًا له حتى تم اختطافه واعتقاله من قبل جيش الاحتلال الإسرائيلي في أبريل عام 2002, رغم أنه كان نائبًا في البرلمان وحكم عليه بالسجن خمس مؤبدات إضافة إلى أربعين عامًا أخرى بتهمة قيادة الانتفاضة الفلسطينية المسلحة التي اندلعت عام 2000.
لعب البرغوثي خلال سنوات الاعتقال الماضية دورًا بارزًا في نجاح اتفاق القاهرة بين الفصائل الفلسطينية, الذي قاد إلى مشاركة معظم الفصائل في انتخابات المجالس البلدية وانتخابات المجلس التشريعي الثانية عام 2006, والاتفاق على تفعيل منظمة التحرير الفلسطينية وترتيب البيت الفلسطيني, وكان يدعو دائمًا إلى إصلاح حركة فتح ودمقرطتها ونبذ سياسة الإقصاء والتغييب وإبعاد رموز الفساد.
مروان البرغوثي قيمة فلسطينية كبيرة، يرى فيها العديد من قادة الدول والسياسيين مستقبل فلسطين الحرة, والشخصية التي ستلعب دورًا محوريًا مؤثرًا في صنع السلام.
ومن هذا المنطلق ترفض إسرائيل أي حديث عن إطلاق سراحه مهما كان الثمن, رغم الضغوط الدولية الساعية لذلك, ومؤخرًا في صفقة تبادل الأسرى بين حركة حماس وإسرائيل, كانت حماس قد رفضت الإفراج عن الجندي الإسرائيلي الأسير لديها في حال استمرار رفض إسرائيل الإفراج عن مروان البرغوثي الذي ما زال يقبع في زنازين العزل حتى اليوم, ولم يذكر السبب في عدم وجود اسمه في قائمة التبادل بين حماس وإسرائيل, ولم يتم التصريح بأي معلومة قد تدفع بالشكوك إلى التراجع، نظرًا لما يمثله البرغوثي من أهمية وطنية مطلوبة في المرحلة المقبلة.
وفي ظل تجاذبات سياسية حادة فصلت الوطن الفلسطيني إلى شطرين مختلفين متنازعين يتصارعان على أيديولوجيات متباينة, ويدفع ثمنها المواطن الفلسطيني وقضيته المعلقة منذ عقود, القضية الفلسطينية بحاجة الآن إلى فارس يمتطى أشواكها ليصل بها بر الأمان, خاصة أن المتربصين بها بعد ثورات الربيع العربي صاروا كثر, وحلفاء الماضي أصبحوا في خبر كان والزحف الإخواني بدأت بشائره تهل وتزهو بحلفاء جدد وقيادات مستجدة فكريًا وسياسيًا!