كانت الدموع تفيض على وجهه والشجن يسكن ملامحه وهو يقبل النياشين على صدر الفريق أول عبد الفتاح السيسى وزير الدفاع، بعد أن قدم له رسالة حب على المسرح من شقيقه الضابط الشهيد، من الواضح أن محمد فؤاد دمعته قريبة جدا، أتذكره قبل الثورة عندما أخذ يبكى فى التليفزيون، مؤكدا أن الجزائريين يقتلون المصريين فى استاد أم درمان، أتذكره فى عز الثورة وهو يبكى، مهددا ومتوعدا الجميع أنه سوف ينتحر لو تم إجبار مبارك على الرحيل، معتبرا أن مبارك حبه الحقيقى، ثم بعد ذلك اكتشفنا أنه حب كاذب ولم ينفذ تهديده بالانتحار، وخيرا فعل، فأنا واحد من ملايين يعشقون صوته ولا أريده بالطبع أن ينفذ وعده على شرط أن يكتفى فقط بالغناء. الفنانون ملئوا جنبات المسرح فى أثناء غناء الأوبريت الوطنى فى حضور وزير الدفاع، ولكن فؤاد والحق يقال سرق الكاميرا من الجميع.
صارت الرؤية فى مصر لا تتجاوز فكرة المخلص الذى يأتى ليزيح عنا كابوس الإخوان، نعم هم كابوس قاسى ومظلم وكئيب، هدفهم الأسمى هو أن يلونوا الوطن وكأنه على المحارة لم يتشكل عبر 7 آلاف عام، ورغم ذلك فلا يمكن أن يأتى الحل هكذا، «انقذنا يا جيش نحن وراءك يا سيادة الفريق أول» وكأننا نعود مرة أخرى إلى المربع رقم واحد، الاعتزاز بالقوات المسلحة المصرية حامية الوطن فى الخارج والداخل شىء، وأن نتوجه إلى الجيش وقائده بأن يقود الوطن شىء آخر تماما، كانت لدى أغلب المصريين أيام مبارك رغبة تداعبنا وهى أن يثور الجيش ضد الطاغية القابع على قلوبنا وكنا نرى وقتها أنه الحل المثالى، بل والوحيد لإيقاف عجلة التوريث، كل شىء كان يؤكد أن عربة التوريث لا تعرف الخجل، تغييرات فى الوزارة أو فى الصحافة تسمح بوجود جيل جديد ولائهم الأول لجمال، ماذا كان يفعل الفنانون والمثقفون وقتها؟ أغلبهم إما أمسك العصا من المنتصف وإما بدأ فى توفيق أوضاعه مع القائد الجديد المرتقب، بل وبدأ بالفعل يرقص على الإيقاع القادم، لا أرتاح إلى أن نتوجه كلنا إلى البحث عن قوة حتى ولو كانت الجيش لكى تخرجنا من هذا المستنقع، مأساة المصريين هى فى البديل، البعض يقول فى كل مناسبة ومن دون مناسبة «فينك يا جنرال» يقصدون شفيق، هل من الممكن أن ينقذنا هذا الجنرال الكاره للثورة، لقد تولى رئاسة الوزراء فى آخر حكومة شكلها مبارك من أجل تنفيذ خطة وحيدة وهى كيف يجهض الثورة التى لم يعتبرها أبدا ثورة، على الجانب الآخر أيضا جبهة الإنقاذ، أحلام الناس تجاوزت خطابها العجوز، ووجوههم التقليدية صارت تصنع بيننا وبينهم مسافة، كما أن تعدد المشارب والاتجاهات بين الفصائل داخل الجبهة يفقدها معناها وجدواها، الإخوان فقدوا الشارع، نعم لم يكن الشارع المصرى أبدا إخوانيا، ولكن كان به قطاع متعاطف معهم، هؤلاء أصبحوا لا يطيقون أى شىء من سيرة أو رائحة الإخوان، وتنظيمهم الرسمى يحاول أن يمسك أشلاءه، لن يجرؤ محمد مرسى على أن يتقدم إلى الانتخابات المبكرة، ولكنه سوف يُجبر على ذلك، يبقى البحث عن الاسم القادم لا تقول لى جبهة إنقاذ ولا جبهة ضمير، لا شىء من الممكن أن تراهن عليه سوى أن هناك اسما قادما من الشباب الذى لا يزال يحتفظ بالنقاء الثورى، ليس من هؤلاء الذين نراهم فى الكادر الآن متصدرين المشهد.
أغلب الفنانين والمثقفين لا يمكن أن تنسى مواقفهم، لا أستطيع أن أصدقهم كانوا دائما مع مبارك فى رحلته السنوية إلى توشكى، هل تتذكرون توشكى؟ كتبوا لها أكثر من أوبريت وكانوا دائمى التغزل فى مفاتنها، وبعد أن هجرها مبارك هجروها، الآن يشعرون أن الرهان على الجيش يضمن لهم أن يظلوا فى البؤرة داخل الدائرة، كانت كلمات الفريق أول السيسى مباشرة فى حب مصر ولحماية مصر، ولكنه لم وأقول لن يلمح إلى أنه من الممكن للجيش أن يدخل معترك السياسة، سيظل الجيش المصرى فى حدقة العيون وحنايا القلوب يحميها ويصونها، ولكنه أبدا لن يقودها، أما مَن يراهنون على القوة القادمة ويتوجهون إليها عليهم أن يدركوا أن الناس لم تعد تصدقهم.. راجعوا تصريحاتهم وأغانيهم ومسلسلاتهم لتكتشفوا أن الأغلبية منهم لم تراهن سوى على مَن يملك القوة، عادتهم ولن يشتروها.. هل صدق أحدكم دموع وقبلات فؤاد؟!