تطاول أكثر من شخص من تيار الإسلام السياسى على القوات المسلحة المصرية، منهم من هدد الجيش وتوعده بالقتال فى حال الإقدام على التدخل فى الحياة السياسية، ومنهم من تطوع بالقول بأنهم يعدون العدة لمحاربة الجيش المصرى من خلال قوات يقومون بتدريبها على الأراضى الليبية ويطلقون عليها مسمى «جيش مصر الحر» اقتداء بجيش سوريا الحر الذى يقاتل ضد الجيش السورى المركزى. ومنهم من حذر الجيش بعدم الاقتراب من الحياة السياسية أو القيام بأى حركة ضد الرئيس مرسى، مؤكدا أن لديهم من القوات ما يمكنها محاربة الجيش المصرى. وهنا نقول بداية إن القوى المدنية اختلفت مع القيادة السابقة للقوات المسلحة التى أدارت مرحلة انتقالية من خلال التفاهم التام مع جماعة الإخوان وسلمتها السلطة على طبق من ذهب. انتقدنا المجلس الأعلى للقوات المسلحة والدور الذى قام به المشير والفريق، وأكدنا مرارا أن الطرفين (الجماعة وقادة المجلس العسكرى السابق) توصلا إلى تفاهمات تضمنت السماح بإنشاء أحزاب دينية، والسير فى مسار حددته الجماعة، يبدأ أولا بانتخابات برلمانية، ثم رئاسية ثم بعد ذلك تتم عملية كتابة الدستور، رسمت الجماعة للمشير والفريق خريطة المرحلة الانتقالية والتزم بها طنطاوى وعنان فكانت سيطرة الجماعة على السلطة فى البلاد.
وخلال المرحلة الانتقالية نفذ المشير والفريق كل ما طلبته الجماعة منهما، ومن قبيل ذلك السماح بعودة آلاف المجاهدين ممن حملوا السلاح ضد مؤسسات الدولة المصرية قبل أن يغادروا البلاد صوب أفغانستان وباكستان والشيشان والبوسنة، رفع المجلس العسكرى أسماءهم من على قوائم ترقب الوصول، عادوا وأسسوا أحزابا سياسية وبدؤوا يشاركون فى العمل السياسى، وهم لا يؤمنون به لكنهم تماشوا مع طبيعة المرحلة تحيُّنا للفرصة المناسبة من أجل تطبيق مشروعهم الخاص والذى يبدو أن الجماعة وعدتهم به خلال المرحلة الانتقالية وخلال انتخابات رئاسة الجمهورية.
احتفل قادة وكوادر الجماعات الإسلامية بعزل المشير والفريق، واعتبروا أن السيطرة قد دانت لهم وسوف يستمرون فى السلطة وينفذون مشروعهم، تدريجيا اكتشف قادة الجماعات الجهادية أن الجماعة تناور وأن الدكتور مرسى له حسابات دفعته لتبادل الرسائل مع الرئيس الإسرائيلى والإقدام على خطوات لم تتوقعها هذه الجماعات، كما أدى نشاط قوى المعارضة ممثلة فى جبهة الإنقاذ إلى إثارة مخاوف الجماعات المتشددة من احتمالات فشل الدكتور محمد مرسى، ساعدوه بقدر الإمكان، خرجوا فى مظاهرات حصار المحكمة الدستورية، ومهدوا لفرض النائب العام الجديد، وساندوه فى مواجهة السلطة القضائية، ثم جاء الدور على الجيش فقد تطلع غالبية المصريين إلى القوات المسلحة لإنقاذهم من ظلم الجماعة ومندوبها فى قصر الرئاسة. ذهب عامة الناس وبسطاؤهم إلى مكاتب الشهر العقارى وكتبوا توكيلات للفريق أول عبد الفتاح السيسى لإدارة شؤون البلاد، جسوا نبض الجيش فى مسألة تغيير القيادة مرة ثانية، فجاء الرد سريعا على لسان رئيس الأركان بأنه خط أحمر، فى تجاوزه انتحار سياسى، هنا دفعوا برجالهم لاستفزاز الجيش، تهديده. وفى تقديرى أن ما صدر من قيادات تيار الإسلام السياسى بدءًا من العريان وصولا إلى أبو سمرة لا يعدو أن يكون نابعا من حالة الهلع التى تسود الجماعة من احتمال تدخل الجيش فى لحظة معينة، سبق لوزير الدفاع وحددها بلحظة تهديد استقرار البلاد، قال فى حال تعرض البلاد لخطر الانهيار فإن الجيش لن يسمح بذلك. فشل الجماعة المتواصل وخشية عناصر تيار الإسلام السياسى على المشروع من الانهيار، وإحساسهم أن الجيش هو مصدر الخطر الرئيسى على مشروعهم، دفعهم إلى عملية توزيع أدوار تتمثل فى صدور تهديدات للجيش من أكثر من شخصية تنتمى لأكثر من توجه أو جماعة داخل تيار الإسلام السياسى، وهى لعبة مكشوفة، الجيش يعلم حدودها وأبعادها، وهذه الجماعات التى تُكثر من إطلاق التهديدات بحق القوات المسلحة تعلم تماما أن تهديداتها جوفاء لا قيمة لها ولا وزن، هى ترغب فى إشاعة أجواء الخوف فى المجتمع فتتوقف المراهنة من بسطاء المصريين على الجيش، ومن ثم يقبل الشعب المصرى بحكم الجماعة ورفاقها الذى حدد أبو سمرة مدته بسبعة آلاف سنة على الأقل. هى أقوال مرسلة يعلم مطلقوها أنها جوفاء وتدرك القوات المسلحة أنها لا تستحق التوقف أمامها، فمن يفكر فى رفع السلاح فى وجه القوات المسلحة سيواجه بكل حسم وستكون نهايته فى هذه المواجهة، الجيش المصرى هو جيش الشعب وجنوده أبناء عامة المصريين ولا توجد لدينا انقسامات عرقية أو طائفية، فمصر دولة مركزية وجيشها يتمتع بشعبية كبيرة بصرف النظر عن السخط على أداء المشير والفريق، فالقيادة الجديدة للجيش، ممثلة فى وزير الدفاع الفريق أول عبد الفتاح السيسى، ورئيس الأركان الفريق صدقى صبحى، نجحت فى استعادة شعبية القوات المسلحة وفى استرداد ثقة الشعب، بل نجحت فى بث الطمأنينة داخل نفوس المصريين على مختلف انتماءاتهم بأن لديهم جيشا قويا لن يسمح باختطاف البلاد، وإذا حدث وتدخل الجيش للحفاظ على مرتكزات الدولة المصرية فإن الشعب سوف يلتحم بالجيش تماما فى مواجهة كل من تسول له نفسه التفكير فى حمل السلاح ضد جيش مصر.
إنها تصريحات جوفاء نابعة من خوف وجذع أكثر من كونها تهديدات حقيقية، وفى تقديرى أن أى جماعة تفكر فى رفع السلاح فى مواجهة الجيش المصرى، تكون بذلك قد وضعت نفسها على أول طريق النهاية المادية على يد الجيش، والمعنوية من قِبل الشعب المصرى الذى سيلفظ هذه الجماعة وغيرها ممن يمكن أن يفكر لحظة واحدة فى رفع السلاح فى مواجهة جيش مصر.