زملاء وأصدقاء وكُتَّاب كبار كتبوا على مدى اليومين الماضيين وعلقوا تعليقات تقطر غضبا واشمئزازا من تصريحات غير محتشمة وتخطت حدود الوقاحة إلى السفالة شخصيا، تفوهت بها مؤخرا الست آن باترسون السفيرة الأمريكية فى القاهرة بعدما لبست جنابها -رغم كبر سنها- رداء الإمبريالية القديم الشفتشى الذى ظننَّاه منقوعًا الآن فى النفتالين ومستقرًّا على شماعة فى متحف مخلفات عصور الاستعمار الغابرة.
كل التعليقات والكتابات التى تناولت آخر وقاحات وفجاجات هذه السيدة الأمريكية الشمطاء انصبَّت على المعانى والدلالات الخطيرة الراقدة فى أقوال وعبارات من نوع: أن «الولايات المتحدة ستستمر فى دعم (نظام الحكم الإخوانى الحالى) فى مصر»، و«دعونى (أى الست) أكُن واضحة تماما فى هذا الموضوع.. التدخل العسكرى (المحتمَل من جيش مصر فى الأزمة الخانقة الشاملة التى تعانى منها البلاد) الآن ليس هو الحل كما يدعى البعض، وسيكون هذا التدخل كارثة بالنسبة إلى العلاقات مع واشنطن»!
وقد أسهب الجميع فى فضح وإدانة كل تلك الفظاظة العلنية فى التعبير عن حقيقة كئيبة وواقع شائن شجَّع مدام باترسون على قلة الأدب وجعلها لا تشعر بأى خجل ولا وجل وهى تضرب عُرض الحائط بأدنى اعتبارات اللياقة الدبلوماسية وتخرق وتنتهك بفجاجة وغطرسة جنونية أصول وقواعد العلاقات بين الدول المستقلة ذات السيادة، وتمنح نفسها بالعافية حق الفتوى علنًا فى شأن من أكثر شؤون الداخل المصرى خصوصية وأشدها حساسية، كأن هذا البلد الخطير (وصفه نابليون ذات يوم بأنه أهم بلد فى العالم) مجرد ضيعة أو «مقطورة» مربوطة ومُلحَقة دائما بقطار العربدة الأمريكية السارح فى إقليمنا وسائر مناطق العالم، وبناء على ذلك فإن السادة فى واشنطن هم (لا المصريون) أصحاب الاختصاص والحق الحصرى فى تعيين أو إنهاء خدمة قادة وخفراء هذه «المقطورة» البائسة.. يعنى إذا كانت عصابة «آل مبارك» تقاعدت قسرا وذهبت إلى الجحيم مخلفة تركة التبعية الثقيلة المُهينة بغير حراس يحمونها ويبذلون الغالى والرخيص فى الحفاظ عليها ورعايتها وتنميتها، فإن مهمة اختيار «الورثة» أمر سيبقى معلَّقًا ومرهونًا بمزاج سكان البيت الأبيض وتفضيلاتهم، وما قالته الست باترسون فى تصريحاتها الأخيرة (وتفوهات وتصريحات سابقة) بوضوح فاحش وصراحة فاجرة أن جماعة «الأخوان» السرية الفاشية، هى «الخفير الوريث» الموثوق بولائه وإخلاصه لمصالح الأسياد!
إذن، من الناحية الموضوعية لم يعُد للعبد لله أى مجال للإضافة أو الزيادة على ما قاله وكتبه رهط الزملاء المحترمين الذين تَصَدَّوا للتعليق على أحدث منتجات الوقاحة الأمريكية «الباترسونية»، ومع ذلك لا أستطيع أن أقاوم إغراء الكلام غير الموضوعى فى هذا الموضوع.. وأقصد تأثير «عامل ذاتى» يخص حالة مدام آن باترسون النفسية والعصبية فى تفاقُم فجاجة ووقاحة تصريحاتها، وخلاصة ما أودّ التنبيه له أن المدام المذكورة تمر بمرحلة عمرية اسمها الشعبى «سن اليأس»، ومن المشكلات العديدة لهذه السن -حسب الكثير من الدراسات والبحوث العيادية النفسية- أن الشخص العجوز قد يميل أحيانا، كرد فعل لتراجع قوته البدنية والدماغية، إلى نوع من المبالغة والإفراط فى تقدير حجم قدراته وطاقته، ويصاحب ذلك ممارسات وتصرفات تشى بالغيرة والأنانية ومحاولة لفت الأنظار وجذب اهتمام المحيطين به، فضلا عن الحرص الشديد على ما يعتقد أنه من ممتلكاته الخاصة (إذا كنت استمعت أو قرأت نص تصريحات مدام باترسون، فربما شعرت أن جنابها تتحدث عن مصر كأنها من مكونات تركة ورثتها عن المرحومة مامتها)!
غير أن أخطر ما قد يعانيه الشخص المسن، هو إصابة ذاكرته بنوع من العطب يجعله ينسى أحداث الحاضر ويتذكر فقط وقائع وأمجاد الماضى البعيد الغابر.. ولعل هذه الإصابة هى سر ارتداء جناب السفيرة فستان الإمبريالية القديمة الشفتشى بينما هى تهلفط هلفطاتها الأخيرة.. ربنا يشفى!