أبت جماعة الإخوان المسلمين الحاكمة إلا أن تذكّرنا وتؤكّد لنا الفكر الطائفى البغيض الذى يشكِّل جزءًا لا يتجزأ من عقيدتهم عبر الفتاوى التى أصدروها على مدى الأسبوع الماضى بشأن جواز تهنئة المسيحيين بعيد القيامة المجيد، الذى يحل علينا غدا الأحد. كل سنة وانتم طيبون لكل من يحتفل بهذا العيد. وما دام مواطنو نفس الوطن الذى ينتمون إليه يحتفلون بعيد ما، أيًّا كان مضمونه وسببه، يجعلهم سعداء وفرحين، فأنا فرح لفرحهم، وبالطبع أهنئهم.
أعتقد أن الموقف السابق هو الموقف المتوقع لأى مواطن مصرى سوىّ، يحب هذا الوطن وترابه وشعبه. ولكن الإخوان لهم منظور آخر، فمشروعهم أكبر من الوطن الكبير جدا، مصر، ويمتدّ ليشمل كل الدول التى يقطنها مسلمون. والأولوية فى معايير التعامل مع البشر هى للديانة والعقيدة والمذهب، لا الانتماء إلى ولاية أو قُطر ما، حسب الفكر الإخوانى. والتعصب لقومية، أو وطن له حدود، أو قبيلة، هو من الكبائر. وعندما كنت فى مرحلة المراهقة، حضرت درسا لجماعة الإخوان، وكان النشيد الذى يلقننا إياه قائد المجموعة: «يا أخى فى الهند، أو فى المغربِ. أنا منكَ، أنت منى، أنت بى. لا تسل عن وطنى، عن نسبى. كلنا مسلمون، مسلمون».
ما زلت أحفظ النشيد، وأقدِّر المشاعر الطيبة. ورغم عدم إنكارى مطلقا لأهمية ما يجمعنى من الناحية العقَدية مع أخى المسلم من أى قطر من العالم، فإن ما يجمعنى مع ابن نفس الوطن الذى أعيش فيه وأنتمى إليه مهما كانت ديانته أو عقيدته، أهم، وأكثر بكثير. كما أننى كأى قارئ لتاريخ هذا البلد العظيم الطويل، أدرك أن وجودنا فى هذه البقعة من الكرة الأرضية، بحدودنا الحالية وتركيبتنا، يسبق كل الأديان التى عرفتها البشرية. ليس ذلك فقط، بل إن المصريين تحديدا ساهموا فى تطوير الفكر الدينى عموما، والوصول إلى عقيدة الوحدانية لله.
فكيف إذن لأى شخص عاقل أن يصمِّم على التعامل مع أبناء هذا الوطن القديم من منظور دينى فقط، أو يعتقد أن بإمكانه أن يبدأ فى التفتيش فى عقائد الناس، وإصدار أحكام وفتاوى بشأن إمكانية تهنئتهم بأعيادهم من عدمها؟ ولماذا يتدخل الشيخ عبد الرحمن البر مفتى الجماعة الإخوانية وعضو مكتب الإرشاد الذى يدفعون به بقوة إما لوزارة الأوقاف وإما لمنصب إمام الأزهر فى إطار خطة التمكين المتسارعة، لماذا يتدخل أصلا فى تفاصيل العقيدة المسيحية، وينغص على الناس عيدهم، بأن يقول إن هذا حلال وذاك حرام، وإن الميلاد حقيقة، والقيامة ليست كذلك؟ إنت مالك يا شيخ البر؟ كل المطلوب من سيادتكم بصفتك مواطنًا مصريًّا هو أن تهنئ جارك المسيحى بأى مناسبة سعيدة يحتفل بها، ما دمت وجدته سعيدا، وبس خلاص.
ولأن المناخ فى مصر طائفى بامتياز، ولن يتم تجاوُز الخطر الذى ترسخه فتاوى البر والإخوان عبر النيات الطيبة لرئيسنا مرسى وكلامه الطنان عن شركاء الوطن الذين لهم ما لنا وعليهم ما علينا، أبت التيارات الأكثر تشددا من الإخوان إلا أن تزايد على مواقفهم. وخرج علينا الدكتور هشام كمال، المتحدث باسم الجبهة السلفية، ليقول «لا فض فوه»، ليس فقط أن التهنئة بعيد القيامة حرام، ولكن حتى أنه لو كان المسلم متزوجًا بمسيحية، كما يحلّ لنا الدين الإسلامى، فإنه يرتكب إثمًا لو قام بتهنئتها بعيدها، بل ويحق له منعها من التوجه إلى الكنيسة للاحتفال بعيدها.
ده إيه الجوازة الغم دى؟ هل من الممكن، بأى عقل ومنطق بسيط، أن يكون ديننا الإسلامى الحنيف الكريم المتسامح قد سمح لنا بالزواج من اتباع الديانة المسيحية، باعتبارهم من أهل العقائد التوحيدية وأصحاب الكتب المقدسة التى نؤمن أنها من عند الله، ومن دون الإجبار على تغيير ديانتهم، ثم نقوم بإهانتهم وقمعهم بهذه الطريقة إذا أردات الزوجة الاحتفال بعيدها؟
ووفقا لفتوى الشيخ كمال، فإن الحوار بين الزوج المسلم والزوجة المسيحية صباح يوم عيد القيامة غدا سيكون كالتالى: «هى: عايزة أروح الكنيسة احتفل بالعيد الكبير. هو: عيد إيه؟ كتك القرف، ده أصلا كله كفر يا كافرة، قيامة إيه ونوم إيه؟ اقعدى فى البيت مافيش خروج. هى: طيب، مش حتقولى كل سنة وانتى طيبة؟ هو: باقول لك كفر، أنا عارف أنا اتجوزتك ليه وانتى مسيحية»! هل من المتصوَّر أن تقوم علاقة إنسانية بين زوج وزوجة لو كان الحوار كالتالى من منظور الشيخ كمال؟
الشيخ الدكتور البر، بعد أن واجه عاصفة من الانتقادات، اضطُرَّ إلى محاولة التخفيف من موقفه، وأوضح أنه يمكن أن نقول للمصريين المسيحيين «كل سنة وانتم طيبون» على اعتبار أن هذه جملة عادية لا تخوض فى التفاصيل. أما حضور القداس الخاص بعيد القيامة فى الكاتدرائية التى كادت تحترق فى عهد الرئيس مرسى الميمون، فحرام، حرام، حرام، لأنه مخالف للعقيدة. أى أن ما حصلنا عليه فى النهاية من عضو مكتب الإرشاد الإخوانى ومفتى الجماعة هو تهنئة مشروطة تسمّ البدن، عنوانها «كل سنة وانتَ طيب يا كافر».