دأب الكاتب الصحفى الكبير الأستاذ فهمى هويدى على الدفاع عن الإسلام السياسى، وتحدث فى مقال أخير بجريدة «الشروق» بتاريخ (30-04-2013) عن الهجمة الشرسة المنظمة التى تقودها قوى بعينها من أجل تقويض الحكم الثورى الآن (باعتبار أن الحكم الحالى من وجهة نظره يمت للثورة فعلا)، ضاربا مثلا بالمؤامرة التى حدثت لرئيس الوزراء الإيرانى محمد مصدق (الوطنى والثورى فعلا)، والحقيقة أن الأستاذ هويدى خانه التوفيق فى اختيار هذه المقارنة بين كل من د.محمد مصدق ود.محمد مرسى، لأن الأول كان ثوريا صاحب فكر ثورى وفعل ثورى، بينما د.مرسى لا ناقة ولا جمل له بأى منهما، وهو أتى وجماعة الإخوان المسلمين إلى الثورة بعد أن استقرت، كعادتهم دائما، ثم استمروا فى المشاركة فيها بعين انتهازية فى الجنة وأخرى فى النار، لأن د.مرسى ورئيس حزب الحرية والعدالة الحالى د.محمد سعد الكتاتنى، هرعا إلى التباحث مع رئيس جهاز المخابرات الأسبق عمر سليمان، توخيا للحذر، بينما الثوار فى الميدان، وليس فى هذا أى سلوك ثورى، ثم إنه بطبيعة النشأة والتكوين مجبول على الطاعة الكاملة وإلا ما كان ترقى وصعد السلم فى دهاليز الجماعة.
الأهم فى هذه المقارنة المعكوسة أن القوى الاستعمارية التى تآمرت على إسقاط مصدق، لأنه وقف ضد مصالحها، هذه القوى الاستعمارية ليست ضد الرئيس مرسى ولا جماعة الإخوان المسلمين، وهما على النقيض ينالان منها التأييد والمساندة، ثم إن الشاه والقوى الاستعمارية استعانا -قبل أن يتجذر المصطلح- بعناصر الإسلام السياسى هناك للإطاحة بهذا الزعيم الوطنى، والإسلام السياسى فى مصر الآن يساند مرسى قلبا وقالبا، أما عن «طبخ» إسقاط مصدق الذى استغرق بين عامى 51 و53، وأن الثورة المصرية مرت عليها سنتان الآن، وأن النظام فى مصر لا يزال صامدا، كما يقول الأستاذ هويدى، فهذا تصور موغل فى الخلط، فقد فات على كاتبنا الكبير أن ما يزيد على العامين من الانتفاضة المصرية، منها عام ونصف العام أدار فيهما البلاد المجلس الأعلى للقوات المسلحة، وأن حكم الرئيس مرسى عشرة أشهر فقط، بدأها سيادته بنقض تعهداته وحنث بوعوده الموثقة كتابة والمبثوثة صوتا وصورة على الهواء، وهى تلك الوعود والتعهدات التى قطعها على نفسه فى المرحلة الثانية من الانتخابات للجبهة الوطنية، ولم ينفذ أيا مما جاء بها، ثم أعقب سيادته هذا التصرف غير المحمود وهذه البداية المريبة بإعلان دستورى مروع، منح نفسه فيه سلطات شبه إلهية، مما أدى إلى انقسام الأمة، وأحدث شقا عميقا بين أبناء الوطن، وأبلى البلاد بحالة احتقان وغليان غير مسبوقة، ودون تطرق إلى حصار المحكمة الدستورية الذى تجاهله الرئيس على عكس ما كان يجب أن يفعل، لأنه قبل بشرعيتها، بعد أن أقسم أمامها اليمين ودون التطرق إلى تعمد اختيار النائب العام، بعيدا عن القواعد الواجبة دستوريا وغيرها وغيرها، وأخيرا أزمة القانون غير البرىء لإقصاء آلاف القضاة.. كل هذا يجعل المقارنة بينه وبين مصدق نوعا من الشطط فى القياس، لأن مصدق كان ضحية مؤامرة حقيقية، بينما مرسى يصنع مناخ العداء والتوجس حتى بين من صوتوا لصالحه وناصروه.
كان الرئيس مرسى يستطيع أن يقطع الطريق بسهولة على كل من يتربصون به وفى بداية حكمه، كانوا قلة قليلة للغاية بلا تأثير أو مؤيدين، لكن الجماعة -بقبول منه- كانت حجر عثرة، أوصل البلاد إلى وضع يسبق بخطوات قليلة الكارثة، فعندما تولى سيادته الحكم كانت قوى الثورة غير المكتملة تحتاج بأشد ما يكون إلى التوافق الوطنى والتصالح السياسى المؤسس لحرية الاختلاف، وهذا ما لم يراعه الرئيس نزولا على غى الجماعة وطغيانها فى المغالبة والاستحواذ وإقصاء الآخرين والنفى التام لشركاء الثورة، وكل من يخالفهم فى السياسة والعقيدة، بعد كل هذا هل يصبح الوقوف ضد الرئيس مرسى مؤامرة انطلاقا من الخطوات التى ذكرها الأستاذ هويدى بعد أن استعرض عوامل وأعراض إجهاض الثورات وتصفيتها من مراجع مهمة تشرح للطلاب خلفيات الثورات وأسباب نجاحها وعوامل فشلها، وتأمل العوامل التى ذكرها سيادته فى جدول تصفية الثورات، يكشف أن الرئيس ومن خلفه جماعة الإخوان المسلمين هم أصحاب الضلع الأكبر فى ما حاق بالثورة من فشل وانتكاس، ولا أريد تفنيد هذه العوامل واحدا بعد آخر، لأن الخوض فى التفاصيل قد يكون جارحا، ومقام الرئاسة يجب أن يظل رفيعا، ولكن وعلى سبيل المثال لا الحصر فإن الحديث عن الوقيعة بين مؤسسات الدولة، خصوصا تلك التى تحمل السلاح، لكى يصبح الاحتكام إلى السلاح أحد البدائل المطروحة لحسم الخلافات، فالرد عليها بأنه لا جدال أن هناك من يحاولون الزج بالقوات المسلحة فى أتون الصراع السياسى الدائر الآن فى مصر، والرئيس يستطيع أن يقطع الطريق عليهم تماما إذا قام بتشكيل حكومة إنقاذ وطنى تدير البلاد تحت رئاسته حتى إقامة انتخابات نزيهة لمجلس النواب الجديد، مع إصدار تعليمات للميليشيات الإلكترونية والأتباع بعدم إلقاء بالونات الاختبار والملاسنة ضد الجيش.