هل أصبح الدم رخيصا بهذه الصورة؟ لماذا لم نعد نحتمل أقرب الناس إلينا؟ ما الذى أصاب الأسرة المصرية؟ الجرائم التى سجلتها محاضر الشرطة، خلال الفترة الأخيرة، تشير إلى كارثة تهددنا جميعا، الاكتفاء بالفرجة عليها جريمة فى حق هذا الوطن.
وطوال السنوات التى تلت الثورة، لا حديث عن شىء سوى السياسة والمطالب الفئوية، نسينا وتناسينا حق المجتمع وعلاقاتنا ببعضنا البعض، تفككت الأسرة المصرية، أصبحنا فصائل متناحرة، يستبيح بعضنا دماء البعض، لا يرهبنا أمن، ولا يردعنا قانون.
غابت دولة القانون وصارت حياتنا أشبه بغابة كبيرة، يأكل القوى فيها الضعيف، صرنا نعيش فى خوف من مجهول يتربص بنا، حدث إقبال غير مسبوق على اقتناء السلاح، هناك من سلك الطريق الطبيعى وحصل على ترخيص من الجهات الرسمية، بينما لجأ كثيرون إلى الطريق الآخر، نشأت فى مصر أسواق للسلاح، وساعد تهريب السلاح الليبى على رواج هذه التجارة.
ولم يقتصر التسلح على المتصلين بأعمال تجارية أو المرتبطين بخصومات ثأرية، لكن «الأرملة» باعت «الجاموسة» التى ورثتها عن زوجها واشترت سلاحا وتحفزت لاستخدامه، وسالت الدماء هنا وهناك، وتحولت القرى والحارات إلى ساحات معارك لا تتوقف.
وقديما كان الجيران فى المنازل والحقول - إذا تعاركوا - يستخدمون أيديهم أو العصى و«النبوت» فى أشد الأمور، وغالبا تكون الأسلحة المعاونة «طوبا وحجارة» من النساء والأطفال، لكن فى أيامنا «الغبرة» تبدّل الأمر، فردّ فلاح فى المنيا على تلقيه علقة من أقاربه، بفتح نيران بندقية آلية عليهم، فقتل ثلاثة - بينهم جدته - وأصاب اثنين آخرين.
مذابح لا تتوقف بين أفراد الأسرة الواحدة، فسرها علماء النفس والاجتماع بأن «وحش الغرائز»، المدفون فى نفس كل إنسان، خرج من القمقم، وأصبح لا يرى إلا مصالحه ومتعه وملذاته، يحققها مهما كان الثمن.
والسبب فى ذلك - كما فسره العلماء - هو غياب الوازع الأمنى، واختفاء الرادع القانونى، فلم يعد أحد يخشى رجل الشرطة، وصل الأمر إلى ما قاله «السقا»، فى فيلم «الجزيرة» بأنها لعبة «العسكر والحرامية »، «العسكر» هم الذين يختفون ويهربون من «الحرامية».
والنجاة من هذه الكارثة، ليس فى الحل الأمنى فقط - وإن كان هذا الجانب مهما - فإلى جانب عمليات ضبط الأسلحة غير المرخصة، والتواجد الأمنى المحسوس، والقضاء على تجارة وصناعة السلاح، لابد أن تؤدى كل المؤسسات دورها لمقاومة الجريمة وإعادة الترابط إلى الأسرة من جديد.
المسؤولون عن المؤسسات الدينية - الأزهر والكنيسة - والمؤسسة التعليمية، ومؤسسات المجتمع المدنى، ووسائل الإعلام، لابد أن تعطى مساحة للمجتمع ومشاكله، لا تشغلها السياسة وحدها، لأن المجتمعات المفككة لن تصل إلى توافق سياسى أبدا.
أما المسؤولون عن صناعة السينما، فكفى أفلاما تجارية من نوعية «عبده موتة والألمانى»، لأن خطورتها أشد على الشباب والمراهقين من المخدرات وحبوب الهلوسة. السينما صناعة لها رسالة نحو المجتمع، إذا تنازلت عنها فلا فرق بين بضاعتها المسمومة، والمعلمة «شلبية» التى تبيع «صوابع الحشيش وجوانات البانجو».