على سلم الطائرة في أولى زياراته للبرازيل إقترح مساعد محمد مرسي عليه أن يقابل الرجل الذي كان حديث العالم والذي إستطاع تحويل بلاده من الفقر إلى قوة إقتصادية في العالم، وأن يحديد موعد معه ولو لدقائق قليلة، فكان يريده أن يستمع للتجربه الرائدة في العالم من صاحبها، والتي قادته لأن يكون الزعيم الأكثر تأثيراً في العالم.
صعد محمد مرسي على سلم الطائرة وجلس في الكرسي ثم قرأ دعاء السفر وفور أن حلقت الطائرة في سماء القاهرة أخرج من حقيبته كتاب قديم يعتز ومكتوب عليه "معالم على الطريق" لـ "سيد قطب"، هذا الكتاب الذي يحفظه محمد مرسي عن ظهر قلب لكنه بين الحين والأخر تستهوه القراءة فيه بعض الصفحات.
كانت المفاجأة عندما وجد محمد مرسي "لولا داسيلڤا" ضمن الوفد الذي إستقباله في مطار "برازيليا"، وكانت لحظة حميمية بينهما لدرجة جعلت محمد مرسي أن يطلب من لولا داسيلفا أن يركب معه السيارة كي يتبادلا أطراف الحديث معاً.
"كانت طفولتي قاسية وصعبة اجتماعيا يا سيد مرسي" هكذا بدأ داسيلڤا حديثه مبتسماً ومن دون أي مقدمات وربما شعر داسيلڤا أن هذه البداية من الممكن تلطف الرهبة التي شعر بها مرسي تجاهه، وشعر مرسي بارتياح شديد من هذه البداية حيث لم يكن يعرف كيف تكون البدايات مع رجلٌ كهذا.
"والله يا سيد داسيلڤا معظم حكام العالم اليوم كانت طفولتهم صعبة لكن إصرارهم على النجاح هو السبب الوحيد للوصول إليه .. أنا على سبيل المثال ولدت في قرية بسيطة وفقيرة تسمى "العدوة" تابعة لمحافظة الشرقية وكان والدي يعمل فلاحاً بسيطاً وأمي ربة منزل لا تعمل لكنها إستثمرت كل وقتها في مساعدة أبي وتربيتنا أنا وأشقائي أفضل تربية، فكانت الأسرة مكونة من ثمانية أفراد أربعة أولاد وبنتين وأبي وأمي، وكانت طفولتي صعبة كأطفال القرى العاديين فكنت أنا الإبن الأكبر لوالدي وعندما دخلت مدرسة العدوة الإبتدائية كنت أساعد أبي بعد العودة من المدرسة، وكانت كل الأساليب الترفيهية بالنسبة لي هي ركوب المراجيح والجري في الحقول وركوب الحصان في حراسة أبي، ثم إنتقلت إلى مدرسة في مدينة ههيا لأكمل دراستي ثم إنتقلت إلى القاهرة لدراسة الهندسة وكانت وكان ما يرسله لي أبي لا يكفي الشهر الذي لم يكن يمر إلى على إستحياء "
إبتسم داسيلڤا لمرسي إبتسامة تشبه السخرية مما يشعر به مرسي وكأنه معاناة كبيرة في الطفولة لكنها بالنسبة لداسيلڤا حياه لم يكن يحلم بأن يعيش مثلها، وبدا على وجه مرسي ردة فعل تبدوا غاضبه من هذه الإبتسامة، وقبل أن يسترسل في الكلام.. قاطعه داسيلڤا قائلاً:
"ولدت في منطقة فقيرة وعائليا في عائلة غير مستقرة وكنت واحدا من سبعة أولاد وبنات، وبعد أسبوعين من ولادتي سافر والدي مع بنت عمه إلى ساوبولو بحثا عن عمل، وعندما طالت المدة ولم يعد ولم يرسل أخبارا اعتقدت الوالدة أنه عثر على عمل وانتقلت مع الأولاد والبنات إلى ساوبولو،لكنها فوجئت بأن زوجها تزوج بنت عمه وعرفت أنهما كانا يعيشان قصة حب سرية منذ سنوات، واضطرت العائلة أن تسكن في غرفة واحدة في منطقة فقيرة في المدينة غرفة خلف ناد ليلي تنبعث منه موسيقى صاخبة وشتائم سكارى، وقد أسهمت أمي بشكل كبير في تربية وتكوين شخصيتي، لقد علمتني أمي كيف أمشي مرفوع الرأس وكيف أحترم نفسي حتى يحترمني الآخرون، وبدأت دراستي في سن مبكرة غير أني توقف عن التحصيل الدراسي في مستوى الخامسة من التعليم الأساسي، بسبب المعاناة الشديدة والفقر الذي أحاط بأسرتي، الأمر الذي اضطرني إلى العمل كماسح للأحذية لفترة ليست بالقصيرة بضواحي ساوباولو وبعدها صبيا بمحطة بنزين ثم خراطا وميكانيكي سيارات وبائع خضار، لينتهي بي هذا الحال كمتخصص في التعدين، بعد التحاقي بمعمل وحصولي على دورة لمدة ثلاث سنوات وفي سن التاسعة عشر خسرت أصبعي الصغير في يده اليسرى في حادث أثناء العمل في مصنع قطع غيار للسيارات، الأمر الذي دفعني للمشاركة في اتحاد نقابات العمال لأدافع عن حقوقه وحقوق زملائي"
شعر مرسي أن طفولته بالنسبة لداسيلڤا كانت ترف، وكأنما يجلس مع شخصية خرجت من روايات "غابرييل غارثيا ماركيز"، وليس مجرد رجل له تاريخ صعب تغلب عليه وهذا التاريخ قاده إلى أن يكون هذه الشخصية حديث العالم، وليس مجرد رئيس بالصدفة، وأنه لو إستمر في الحديث معه أكثر من مرحلة الطفولة مؤكد أنه سيزداد شعوره بالعجز أمام هذا الرجل الأسطورة التي يجلس بجانبه في سيارة واحدة، وأخذ مرسي يتأمل في ذكريات شبابه أو في شيبته ليقتطف منها لحظات من الممكن أن تأثر في هذا الجبل الصلب الذي يتحدث إليه، فلم يجد شيئاً حقيقياً يذكر ينم عن شيء قد يثير أهتماماً من قبل هذا الرجل، حتى سقط شيئاً على قدميه فحاول أن يمد يده إلى أسفل، فوجد سيدة جميلة مبتسمة تعطيه الكتاب الذي سقط من يده أن غرق في نومه على كرسيه بعد أن كان قد طلب منها تعديله كي يصبح مفروداً كسرير في الطائرة.
فكر محمد مرسي قليلاً وظن أنها رؤية من عند الله حيث أنه كان يقرأ في كتابٍ مبروك لرجل صالح !!
وفوراً إستدعى مساعده وطلب منه عدم مقابلة أي أحد خارج الأجندة المعدة مسبقاً .. وهذا الأمر لا نقاش فيه بعد الأن !