يوم الجمعة 30 من يوليو للعام 2004 احتفلت أسرة سامي الحصين بعودته سالمًا من الولايات المتحدة الأمريكية بعد اعتقال دام لمدة عام وثمانية أشهر بتهمة مساعدة منظمات إسلامية إرهابية من خلال خبرته في مجال الإنترنت، وفيما بعد تحولت التهمة الواهية إلى العمل بدلاً من الدراسة التي حصل على لأجلها على التأشيرة، اللافت أن الحصين لم ينفِ التهمة وإنما صححها – إن جاز التعبير-: بالفعل أساعد بخبرتي مواقع إسلامية دعوية دون مقابل، وليست لدي صلاحيات تحكم كبرى في هذه المواقع. لكن الولايات المتحدة التي تبنت الحرب على الإرهاب شاءت ألا تفرق بين مبرمج لديه قيم دفعته لاتخاذ هذا السبيل وبين إرهابي هم يصنعونه ويمولونه.
ظل الحصين معتقلاً – دون تهمة حقيقية – شمالي ولاية إيداهو بعيدًا بمسافة 800 كم عن زوجته وأبنائه الثلاثة الذين كانوا يسكنون مدينة موسكو وهي مدينة صغيرة من الولاية نفسها.
على عكس الصورة الذهنية النمطية لأبناء الخليج تجد الحصين؛ فحين ينزل القاهرة يزور عددًا لا بأس به من المكتبات، وأول ما يسأل عنه هو حال مصر، وأكثر ما يستهويه الكتب الجديدة المميزة.
سبتمبر 2012 ألتقي الحصين، لم تكن المرة الأولى لكنني فيها سألته عن ظروف الاعتقال، وعن ضرورة أن يكون له مقال يسجل فيه تجاربه وآراءه، وعن ضرورة أن يسجل ما حدث له في كتاب، لمحت في عينيه ألم المعتقل المظلوم وصلابته، واستفهامه الذي لن يجد إجابته: لماذا فعلوا هذا معي؟ وهو يجيب عن السؤال الأول، وفي اقتضاب قال ردًّا عن السؤالين الأخيرين: ليس لدي وقت، تلك هي المشكلة.
أبريل 2013 قابلت الحصين وتعرفت منه أكثر على مشروعه الجديد: نشر الكتب العربية على مواقع البيع العالمية، لم يكن الرجل بحاجة إلى شرح دوافع مشروعه التي أؤمن بما أعرفه منها: أن يكون للمحتوى العربي مكانه الحقيقي، وألا تبقى المسألة محصورة في التلقي فقط، نحن أمة مبدعة.
أتابع إصدارات مشروع الحصين التي تقوم على فكرة مركزية: تحديد مؤلَّف متميز أو مؤلِّف ذي فكر ابتكاري أو دار نشر واضحة الرسالة، وأسعد كلما رأيت للمشروع تقدمًا في آلياته لأنها ستخدم في النهاية منطلقاته الفكرية.
ما الذي يتوجب علينا فعله تجاه مبادئنا؟ أن نتعلم ما يجعلنا قادرين على الدفاع عنها، وأن تكون معرفتنا وسيلة لا غاية، أذكر ملاحظة لأبي مهند تحمل هذا المعنى، كنا نتناقش في أمر ما، وسألني: لماذا تريد أن يعرف الناس هذا؟ إن المعرفة وسيلة.
أبا مهند، قلت لي ذات مرة - وربما كان ذلك على سبيل المجاملة -: كل عام يمضي من العمر أعتقد أنني لا يمكن أن أتعرف على أناس أسعد بصحبتهم، اليوم أشكر الله أن أطال في العمر لأسعد بمعرفتك. أما أنا فأقول دون مجاملة: أنت أحد فرسان قليلين حد الندرة، أكرمني الله بمعرفتهم، وأظن أن مصر التي طالما سألت عنها، ستفتح لك ذراعيها – كعادتها – فهي تعرف مُحبَّها، وتقدِّر كل صاحب مبدأ يعيش له بكل ما توفر له من وسائل وقدرات.