الجيش المصرى من أعمدة الدولة المصرية الرئيسية، بل هو العمود الأهم، لعب دورا مهما فى بناء الدولة المصرية منذ محمد على، وكان طوال الوقت أداة الدولة المصرية فى التمدد والتوسع، حتى وصل فى أواخر محمد على إلى جنوب أوروبا عندما خاض معارك «المورة»، وعندما أرادت القوى الأوروبية الاستعمارية تقليص دور مصر، فرضت قيودا على الجيش المصرى عددا وعِدة. وعندما خرج الجيش المصرى فى ٢٣ يوليو ١٩٥٢ على الملك والاحتلال الإنجليزى، فى خطوة هى بحكم التعريف مثلت انقلابا عسكريا، أقدم الجيش على تطبيق سياسات العدالة الاجتماعية عبر التأميم والإصلاح الزراعى وغيرها من السياسات التى هدفت إلى الأخذ بيد الفئات الضعيفة فى المجتمع المصرى. بادر الشعب من تلقاء ذاته إلى إحاطة العسكر بالدعم والمساندة، الأمر الذى حول حركة الجيش من انقلاب عسكرى بالمعنى الدقيق للكلمة إلى ثورة شعبية حقيقية، فقد احتضن الشعب المصرى النظام الجديد، ومنحه الثقة والدعم اللازمين.
نعم ارتكب العسكر أخطاء عديدة فى ممارسة العمل السياسى على الصعيدين الداخلى والخارجى، ولكن هذه الأخطاء نجمت عن اندفاع نقص خبرة، بالإضافة إلى تأثير البيئة الإقليمية والدولية فى ذلك الوقت. حدث كل ذلك دون أن توجه اتهامات بالخيانة أو الفساد إلى أىٍّ من قادة المؤسسة العسكرية، نعم كانت لهم أخطاء، لكنهم وطنيون أحبوا بلدهم بطريقتهم وسعوا إلى تطويرها وتحديثها برؤيتهم، لم يراكموا ثروات ولا نهبوا خيرات البلد. وجاء التحول مع السادات الذى بدأ فى استثمار مواقع السلطة من أجل تضخيم ثروات النخبة الحاكمة، وهو الأمر الذى وصل إلى الذروة فى عهد مبارك الذى سار على نهج السادات من ناحية، وتجاوزه فى الفساد والإفساد من ناحية ثانية ووصل إلى درجة التخطيط لتوريث مصر لنجله الأصغر.
جاءت ثورة الخامس والعشرين من يناير فأطاحت بمبارك والوريث، لم تسانده المؤسسة العسكرية، بل انحازت إلى الشعب، ما يؤخذ على المؤسسة هنا يؤخذ على قيادتها، ممثلة فى شخص المشير طنطاوى والفريق سامى عنان، فقد أدارا المرحلة الانتقالية بطريقة سيئة ورتبا لتسليم السلطة إلى جماعة الإخوان ونفذا كل مطالب الجماعة من السماح بعودة جهاديين من الخارج وفتح السجون لإخراج مَن بها من مرتكبى جرائم القتل والاغتيال. وقعت إبان فترة حكم المجلس العسكرى جرائم كبيرة مثل ماسبيرو ومحمد محمود ومجزرة استاد بورسعيد، وأقسم الفريق أول عبد الفتاح السيسى، وزير الدفاع الحالى، أن الجيش لم يقتل مصريا ولم يتعمد إطلاق الرصاص على المصريين، بل إنه قال: «تُقطع كل يد تمد على الشعب المصرى»، ويثير ذلك قضية الطرف الثالث الذى كان يظهر ليعتدى على المتظاهرين، يقتل ويهرب، الطرف الثالث الذى فجر خط أنابيب الغاز سبع عشرة مرة خلال فترة حكم المجلس العسكرى، ولم يفجر الخط مرة واحدة منذ تسلم مرسى السلطة قبل عشرة أشهر، وهى قضية ستظل مفتوحة إلى حين التوصل إلى الطرف الثالث المجرم الذى قتل، خطف وعذب مصريين.
مارس مرسى وجماعته السلطة فتصاعدت الجرائم وعادت ممارسات النظام القديم، اُخترقت حدود مصر، انتشرت جماعات العنف المسلح على أراضى شمال سيناء، واستبيحت حدودنا مع قطاع غزة، بدأت عملية بيع ممتلكات البلد وأوصلها، ازداد الفقراء فقرا، وراكم رجال الجماعة الثروات، وعملت أجهزة وزارة الداخلية فى خدمة الجماعة ومشروعها، ومارست أجهزة النظام اعتداءاتها على الأبرياء متجاوزة القانون، تطلع الشعب المصرى إلى سند فى مواجهة اعتداءات جماعة خطفت السلطة وغالت فى ممارسة أعمال القمع والاعتقال، لم يجد الشعب المصرى من سند سوى القوات المسلحة، نعم سبق وهتف بسقوط حكم العسكر، لكنه تأكد بمرور الوقت أن الأخطاء كانت من قِبل رأس المجلس العسكرى والرجل الثانى، وأن الطرف الثالث هو من قام بعمليات القتل والخطف والتعذيب، خطط لجرائم ومجازر وتفجيرات تحمل وزرها المجلس العسكرى. وما أن اختبر حكم المرشد والجماعة حتى أعاد تقدير دور الجيش، لا سيما أن القيادة الجديدة للجيش كررت الرسائل المؤكدة على الولاء للشعب لا النظام، كما أن القيادة الجديدة نجحت فى تجاوز أول اختبار لها عندما كلفها مرسى بفرض الطوارئ وحظر التجوال فى مدن القناة، فلعب جنود الجيش كرة مع أبناء مدن القناة فى ساعات الحظر ولم يطلقوا رصاصة ولا استخدموا العنف مع شعب القناة. بمرور الوقت ومع تصاعد أخطاء وخطايا الجماعة، ومع تكشف ملامح جديدة لمخطط الجماعة، عاد الشعب ليهتف بعودة الجيش، ضغط من أجل أن يعود الجيش إلى السلطة من جديد على النحو الذى ظهر فى توكيل مواطنين مصريين لوزير الدفاع لإدارة شؤون البلاد. واصل مرسى سياسات الانتقام من المصريين وقواهم الثورية، فازداد الحنين إلى مظلة الجيش المصرى، وفى مرحلة تالية بدأت تتشكل وبوضوح ملامح تناقض كامل بين مشروع الجماعة والمشروع الوطنى، والذى يقف فى قلبه الجيش المصرى. باختصار بات الجيش المصرى هو المنقذ فى عيون غالبية المصريين، وهنا بدأ التطاول على الجيش والذى وصل إلى درجة التهديد بضرب الجيش المصرى. السؤال هنا لماذا تبادر جماعات بتهديد الجيش المصرى؟ وهل تملك حقا القدرة على مواجهة الجيش المصرى؟ ذلك ما سوف نتناوله غدا إن شاء الله.