لم ينجح د.محمد مرسى خلال عشرة أشهُر من توليه رئاسة الجمهورية إلا فى جعل عدد غير قليل من المواطنين يترحمون على أيام الرئيس السابق ونظامه الفاسد. بل إن البعض يسأل الآن: هل ما حدث فى يناير 2011 كان ثورة فعلا، أم أنها هوجة استغلها الإخوان للوصول إلى السلطة وساعدهم قادة عسكريون وجدوها فرصة للخلاص من مأزق التوريث؟ البعض الآخر يبالغ ويصف ما حدث بمؤامرة أمريكية إخوانية شارك فيها بعض قادة الجيش من أجل وصول فصيل إسلامى إلى الحكم. والهدف جمع الإرهابيين الإسلاميين المتناثرين فى دول العالم وعودتهم لأوطانهم. ومن ثم يسهل السيطرة عليهم بعد إدخالهم مفرمة السياسة، خصوصًا لو كانوا تحت وصاية فصيل يحكم تحت عباءة الدين.
وأيا ما كانت تفسيرات الذين لا يرون ولا يقدرون معجزة 25 يناير، فإن الإنجاز الوحيد للإخوان هو تشويه الثورة فى عين المواطن البسيط. استمع إلى ما يقوله البعض على المقاهى وفى الشوارع وأماكن العمل (وهو كلام لا يخلو من وجاهة): لقد كان زمن مبارك أفضل بكل فساده. كان الأمن موجودًا. الآن لا نأمن على أنفسنا. بعد أن أصبح البلطجية يحكمون الشارع. عمليات الخطف والنهب لا تتوقف وكل يوم نسمع عن حادثة جديدة. والحل هو دفع الفدية لعودة المخطوف واستعادة المسروقات. الشرطة الآن لا تحرِّك ساكنا، ولا تهتم بالبلاغات والفوضى فى كل مكان.
أيضا أرزاقنا ضاعت وتجارتنا كسدت وبضائعنا بارت وركبتنا الديون وفقد أولادنا وظائفهم فى القطاع الخاص الذى قلّص العمالة أو أغلق مصانعه وشركاته.
نعم كان هناك فساد وسرقات، ولكننا كنا نجد لقمتنا وقوت أولادنا التى أصبحت الآن من المستحيلات
فى التحرير كان الهتاف «عيش حرية عدالة اجتماعية»، والمطالب الثلاثة أصبحت خيالًا فى ظل حكم الإخوان.
هذه هموم المواطن البسيط التى يزيد عليها المهتمون بالسياسة أمورا أخرى، مثل أخونة الدولة والتمكين من مفاصلها والتكويش على كل المناصب وتهميش باقى القوى السياسية وزيادة حالات الفتنة الطائفية وما تبعها من ارتفاع معدلات هجرة الأقباط، وانتشار فتاوى التكفير والتطرف وظهور جماعات الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر.
نعم كل هذا موجود، ونعانى منه بالفعل، ولكنه لا ينفى أن ما حدث فى يناير 2011 ثورة حقيقية. فالثورة هى ما يُحدِث تغييرا كبيرا فى المجتمع. وقد أحدثت الثورة انقلابا فى الشخصية المصرية وجعلت المصرى أكثر إيجابا فى المطالبة بحقوقه بعدما كان مستكينا مستسلما لقدره ومصيره. ونزعت عن جسد الشعب الصرى رداء الخوف الذى ارتداه سبعة الآف سنة كان خلالها يمجِّد الحاكم مهما أخطأ ويعبد فرعون ويخشى بأس وزيره هامان، ولايجرؤ على رفع صوته خشية أن يسمعه جنودهما. لنتذكر كم مواطنا شارك فى المظاهرات والوقفات الاحتجاجية ضد مبارك ورجاله. كانوا عددا محدودا، ينظر إليهم باقى الشعب بإعجاب وشفقة مما سيحدث لهم. أما الإعلام عامًّا وخاصًّا (إلا قليلًا) فكان يضع خطوطا حمراء. ممنوع المساس أو التطرق إلى الأسرة الحاكمة. قل ما شئت ولكن ابتعد عن مبارك وزوجته وابنيه.
هل كان فى ظل النظام السابق من يجرؤ على المطالبة بحقه والدعوة للاعتصام دون أن يأتيه ضباط أمن الدولة ليدفع حريته وربما حياته ثمنا لمعارضته؟ لقد تعلم المواطن الآن أن يحتجّ على نقص سلعه الأساسية مثل السولار والبوتاجاز والبنزين، ويقطع الطرق، ويحاصر مكاتب المسؤلين. من كان يستطيع من قبل الوقوف فى وجه ضابط شرطة أو حتى أمين شرطة إن أراد تلفيق قضية لمواطن شريف؟ كلنا ما زلنا نذكر حادثة أيقونة الثورة خالد سعيد وكيف كان سيضيع حقه ويحصل قتلته على البراءة بسبب تقرير طب شرعى غير صحيح. وهو واحد من حالات عديدة ضاع حقها، أما الآن فالمظاهرات لا تنقطع مطالبة بحقوق الشهداء والضحايا التى أضاعها مرسى ورجاله. هل كان أحد يتخيل أن يذهب المتظاهرون إلى القصر الجمهورى ويكتبوا على حوائطه شعارات ضد الرئيس، ولا يجد ساكنه حلًّا سوى التسلل من باب خلفى؟ أليس كل هذا تغييرًا لنظام ظل رابضًا على قلوب المصريين عقودا من الزمان؟ لقد انتهت دولة الخوف بلا رجعة، ولن يعود الشعب للصمت مرة أخرى. لهذا فهى ثورة، ولعلها الأهم بين ثورات الشعب المصرى على الإطلاق.
نعم سرق الإخوان أحلامنا، وحاولوا إعادة إنتاج النظام السابق بكل مساوئه السياسية والاقتصادية والاجتماعية. ولكن الشعب الذى قتل خوفه قادر على استكمال طريق ثورته واستعادة أحلامه. ولن يسكت أو يستسلم حتى يسقط الإخوان. فقط نحتاج إلى أن نؤمن بثورتنا وقدراتنا، وبأننا نستحق رئيسا ونظاما أفضل من مبارك وجماعة الإخوان.