كانت أوامر مكتب الإرشاد أن يحتشد ثلاثون ألفًا من شباب الإخوان فى المقطم لحماية مكتب الإرشاد يوم الجمعة الشهير.
الحاصل أن أكثر رقمٍ بالَغ الجميع فى تقديره لعدد الإخوان الذين استجابوا للنفير الإخوانى لم يتجاوز ثلاثة آلاف فقط. فى جمعة تالية تنادَى الإخوان لمليونية بغيضة للمطالبة بتطهير القضاء وتبارَى قيادات الجماعة فى الاستعراض التافه لقدراتهم على حشد مليونية بجد وبحق وليست كتلك المليونيات التى لا تفلح فى ملء مليونيتها القوى المدنية.
المهم جاءت هذه الجمعة لتكشف خواء الاستعراض الإخوانى وتراجُع قدرتها وتضاؤل قوتها على الحشد والتعبئة، فقد جاء الحضور هزيلا ومضحكا إذا قرر أحدهم أن يصفه بالمليونية.
بالكثير قوى فقد بلغ عدد الإخوان يومها أقل فعلا من خمسين ألف محتشد، وكان محيط دار القضاء دليلا على جماعة فقدت، بعد عقلها، أنيابَها.
الثابت أن الإخوان نجحوا فى إيهام الجميع منذ ما قبل الثورة بقوتهم وتنظيمهم وقدراتهم على بث الذعر والرعب فى قلوب المنافسين والخصوم. وكسبوا على حِسّ أوهام قوتهم مساحات واسعة فى الحياة السياسية وصنعوا دعاية منتفخة عن كفاءة مزعومة وجماهيرية شاسعة.
مع الأيام تتعلم مصر كلها من خيباتها وتحصد ثمار سذاجتها فى تصديق دعاية الإخوان. وهى تستيقظ من هذا الوهم وتتخلص من ذلك الإيهام الآن على ما جرى فى الاتحادية وفى ميدان التحرير والمقطم ودار القضاء. كل هذه الأماكن شهدت تبدد الوهم وتبخُّر الدعاية.
فالإخوان إلى جانب عجزهم وفشلهم السياسى وغبائهم الحكومى وتعرّيهم الإعلامى وتهرؤ إدارتهم للاقتصاد وإفلاسهم الفكرى، انكشفوا أمام الناس وتيقن المصريون من أنها جماعة نصّابة سياسيًّا، كذابة أخلاقيًّا، متاجرة بالدين.
إن أفضل ما جرى هو أن المخدوعين عرفوا حقيقة المخادعين، فلا ترى مصريا الآن لا يقول لك إلا أن الإخوان هى جماعة السمع والطاعة وتمشى وتقوم وتقعد طبقًا لتعليمات قيادتها، وهى تؤيد القرار وعكسه والشىء ونقيضه، بل وتؤيّد قبل أن تعرف ماذا تؤيد أصلا، فيتم استدعاؤها للتجمع ولتأييد القرار دون أن يعرفوا ما هذا القرار أصلا، فهل بذمتك يمكن احترام مثل هذا الموقف والتعامل معه بجدية من ناس عاقلة؟
وأن الجماعة كتلة صمّاء تتحرك وتقف وتظهر وتختفى كما يريد لها مرشدها الفعلى خيرت الشاطر، لكن المشكلة أن الجماعة ومندوبها الرئاسى لا يزالان فى محاولة بثّ الوهم وصناعة الأكذوبة، أن الإخوان هم الأغلبية، ويتحدث الدكتور مرسى مُلِحًّا ومتفاخرا بأن الغالبية من الشعب معه، والمؤكد أن هذا ليس حقيقيا على الإطلاق، وهو التفاف ومراوغة وتضليل تحترفها جماعة الإخوان منذ ٢٥ يناير.
الإخوان، جماعةً وأفرادًا، لا يمكن أن تمثل أكثر من نصف فى المئة من التسعين مليون مصرى، هذا النصف فى المئة لا يمكن أن يدّعى لنفسه أغلبية أو غالبية على الإطلاق حتى لو كانوا منظَّمين وحتى لو يمكن استدعاؤهم فى أى مُلِمّة كأنهم جنود أمن مركزى، مع ملاحظة الحقيقة المؤكدة لتآكُل وتراجُع قدرتهم على الحشد والتنظيم.. والذى يعاند فى هذه الحقيقة سيقتنع بسرعة حين يعيد مشاهدة شريط المقطم ودار القضاء بالتصوير البطىء!