مفردات ساخنة، لا أقصد ساخنة على طريقة وزير الإعلام المتحرش، ولكنها ساخنة بالمعنى الدرامى، المفردات بنار الفرن تصنع بالتأكيد فيلما «ملهلب» فنيا، ولكن هذه الطزاجة التى صنعها الكاتب أيمن بهجت قمر، أفسدها الكاتب أيمن بهجت قمر عندما فتح باب «الديب فريزر» الدرامى، وأخرج منه كل ما سبق استخدامه فى كل الطبخات السينمائى وعلى مدى تاريخ الدراما، وقرر أن يصنع منها «سمير أبو النيل».
تستطيع أن ترى فى الفكرة فضحا للإعلام بكل أطيافه، من خلال استلهام شخصية تأخذ كثيرا من مفردات توفيق عكاشة ما عدا تزغيط البط، لا يوجد بالتأكيد توافق مطلق، ولكن ستجد نفسك على الفور وقد استقر فى ذهنك أن «أبو النيل» فيه شىء من الرائحة العكاشية.
تستطيع أن ترى فى الفكرة مشروعا لعمل فنى يعزف على وتر جذاب، حيث إنه يُمسك بتلك المعادلة الإعلام والمال فى حالة تشابك على السلطة، اختار الكاتب شخصية أمين الشرطة محمد لطفى لتعبر عن اختراق هذا الجهاز، وعلى الجانب الآخر الصحافة التى تقاوم متمثلة فى الصحفية الشابة دينا الشربينى ورجل الأعمال الفاسد حسين الإمام، لون الكاتب شخصية أبو النيل بظلال البخل، كان الغرض الوحيد لشخصية البخيل مجرد حيلة لكى يقتنص أى قسط من الضحك.
المخرج عمرو عرفة قدم شريطا سينمائيا أقرب إلى «ستاند أب كوميدى»، مستغلا حضور بطل الفيلم وأيضا رغبته فى الاستحواذ على كل شىء، ولهذا خفت حضوره كثيرا كمخرج.
لا يتجاوز السيناريو حدود «الإيفيه» مثل مشهده مع صاحب كشك السجائر أو مع بائع الفول، وعندما يريد أن يحقق الانقلاب الدرامى لا يجد أمامه سوى مشهد هبوط الأموال الفجائى على البطل، وهى من الحيل التى أشبعتها السينما ضربا وركلا واقتباسا، بل إن أفلام مكى السابقة كانت كثيرا ما تسخر من تلك الحلول الساذجة، وهو ما يعرف بـ«البارادوى»، وهكذا وجدنا ابن عمه الثرى حسين الإمام يقرر أن يمنحه كل ثروته الطائلة، خوفا من مطاردة الأجهزة، ويخترع حكاية أنه مريض وعلى شفا الموت وابنته الوحيدة لم تبلغ بعد سن الرشد، وهكذا يبدو كل ما ذكرناه من قبل مقدمة غير منطقية لما سوف نشاهده، وهو الهدف من الفيلم، وأعنى به تلك الثروة التى يضخها البطل صوب الإعلام، «صبحة» هو اسم البرنامج الذى يقدمه والقناة التى يمتلكها لتصبح فى نهاية الفيلم «سبحة» قناة يمتلكها شقيقه علاء مرسى المحسوب على التيار الإسلامى، وهى بالفعل ملاحظة صحيحة جدا ودقيقة جدا جدا تفضح الإعلام فى جزء وافر منه عندما يبيع نفسه للحاكم أى حاكم، ولكن العمل الفنى لم يستطع أن يملأ المساحة من صبحة إلى سبحة دراميا وفكريا، كما أنه يقدم بعض الشخصيات الأرشيفية مثل الصحفية، ربما كان أيمن متأثرا بالصحفى الراحل عبد العاطى حامد عندما كان يتقمص بتوجيه من مصطفى أمين شخصية شحاذ أو مجنون أو تاجر مخدرات ليقتحم هذا العالم، وهكذا فضحت الصحفية أبو النيل وشهرت به على «اليوتيوب»، كما أنه قدم منة شلبى كضيفة شرف فى دور حبيبته التى تعود من أستراليا، ولكنه لم يستطع التمهيد الدرامى لها، فلم يضف لها ولم تضف هى للفيلم.
سبق وأن راهنت على ذكاء أحمد مكى، وعندما أخفق فيلمه الأخير «سينما على بابا» الذى قدمه قبل نحو عامين، وشهد تراجعا فى مشواره الفنى كنجم جماهيرى، قلت سيعبر الكبوة، ولكنى لا أتصور أن فيلمه الجديد حقق له ما انتظره وانتظرته.
الإعلانات التى امتلأت بها جنبات الفيلم لا يبررها بالطبع أنه يقدم قناة فضائية بها إعلانات، فلقد تجاوز حدود المسموح، خصوصا تلك الدعاية المبالغ فيها لنوع معين من الجبنة.
هل يغير مكى من لمحاته الكوميدية؟ لا أتصور ذلك كل النجوم لهم مفردات، أستطيع أن أرى فى مكى لمحات من فايز حلاوة، بالطبع فايز لم تكن له دائرة انتشار واسعة، وهو ما نجح فى تحقيقه مكى، إلا أنه صار يفضل أن يقف فى العمل الفنى منفردا يقدم كل شىء من الإبرة للصاروخ، استوقفتنى فى مشاهد قليلة الوجه الجديد دينا الشربينى، بينما محمد لطفى ارتضى بدور ظل البطل، «سمير أبو النيل» فكرة طازجة بنار الفرن أفضت إلى شريط سينمائى بدرجة حرارة «الديب فريزر»!!