أصبحت تلك الأشكال والمناظر الكابسة على قلب مصر فى تلك الحقبة التاريخية المطينة بطين التى نحياها تصيبنى بحالة غريبة من الشعور بالإمتعاض كلما ظهرت على شاشة أو طرشت أى تصريح مالوش لازمة من تصريحاتها.. أصبحت برامج التوك شو المسائية بإختلاف أنواعها وتوجهاتها وإنتمائاتها تصيبنى بحالة غريبة من الشعور بالزهق.. أصبحت نشرات الأخبار تصيبنى بحاله غريبة من الشعور بالعبث.. أصبحت أخبار مؤسسة الرئاسة الهزلية تصيبنى بحالة غريبة من الشعور بالفجاجة والإهانة.. أصبحت تلك السرعة التى يتم بها إستبدال الأحداث التى تتصدر الخلايا القدمانيه فى أمخاخنا - والتى ننفق أوقات المساء فى الفرجة على النخبه وهم يناقشونها مستخدمين فى ذلك نفس الكلمات ونفس التعبيرات ونفس الحوارات قبل الإستعداد فى اليوم التالى لمناقشة المصيبة الجديدة التى تتأهب لتحل محل المصيبة القديمة وهكذا – تصيبنى بحالة غريبة من الشعور بالملل وبأنى قد تحولت إلى جمل يجتر نفس الأحداث والكلمات منذ حوالى عامين ونصف..
أصبحت الأحداث التى سوف تبدو للوهلة الأولى أنها جديدة بينما سوف تبدو للوهلة الثانية أنها مش جديدة ولا حاجة تثير بداخلى إرتباكاً فى إستمرار إعادة تصنيف وترتيب فايلات الذكريات والأحداث فى خلايا المخ.. الآن هناك صراع على إحتلال الفايل الرئيسى فى مقدمة المخ بين الشعور بالإهانة كلما تحدث ذلك الرجل الغريب الذى يجلس على كرسى رئاسة مصر وبين محاولات الإخوان لهدم مؤسسة القضاء فى إطار خطتهم لهدم مؤسسات الدولة مؤسسة ورا التانية.. إلا أن كلمة السيسى الأخرانية بتاعة إن انتوا فى قلبنا والجيش بيحبكوا وانتوا بس تؤمروا واتطمنوا والحوارات دى كلها صعدت إلى الفايل الرئيسى منذ حوالى يومين.. ويا دوبك لسه حتقعد فى الفايل وتريح.. فوجئت بأن حوار زيارة شيخ الأزهر للإمارات وعودته سالماً غانماً من هناك بصحبة 103 سجين مصرى ثم ما ترتب على تلك الحركة من حوار تسمم طلبة الأزهر تانى وتنظيم مظاهرات أمام المشيخة تانى قد صعد إلى الفايل الرئيسى محل كلمة السيسى وبكرة مذبحة القضاء المنتظرة سوف تزيح حوار شيخ الأزهر من الفايل الرئيسى وبعد بكرة مصيبة جديدة سوف تزيح مذبحة القضاء وهكذا.. ومنذ حوالى عام كان الصراع على إحتلال الفايل الرئيسى فى المخ بين إشتغالة لجنة صياغة الدستور وإشتغالة إنتخابات الرئاسة.. وقبلها كان رفع الحظر عن سفر المتهمين الأمريكان فى قضية التمويل يحتل الفايل الرئيسى.. وقبلها كانت قضية التمويل الأجنبى نفسها هى الفايل الرئيسى.. وقبلها كانت أحداث محيط وزارة الداخلية.. وقبلها كانت مذبحة ستاد بورسعيد ودى غير مذبحة بورسعيد نفسها بعد الحكم فى قضية مذبحة الستاد.. وتخليك راجع بضهرك حتى تصل إلى موقعة الجمل.. ظللنا نتعامل مع كل حدث على حده وكأنه تجربه مستقله بحد ذاتها.. بينما كل تلك الأحداث ليست سوى تفاعلات كيميائية جانبية مصاحبة للتجربة الرئيسية المتمثلة فى أنه «إحنا انضحك علينا يا معلم أبو السلاطين».. ذلك الإحلال والتبديل المستمر فى فايلات خلايا المخ لا يسمح لملف واحد فيهم بالحصول على حقه من التفكير.. فبمجرد وضع المعطيات أمامك ومحاولة الخروج منها ببرهان.. سوف يستجد ما يجعلك تلم تلك المعطيات بعد تنظيمها.. وتفرد أمامك المعطيات الجديده التى قبل أن تخرج منها ببرهان سرعان ما سوف تجد نفسك مضطراً للمها من جديد وفرد المعطيات الجديده وهكذا.. لتجد فى النهايه أن كل ما تمتلكه فى تلك الفايلات الكثيره التى تزدحم بها خلايا مخك ليست سوى معطيات.. مجرد معطيات لا تمتلك برهاناً واضحاً سوى فى خيالك أنت فقط..
و قبل أن يتهمنى أحدكم بإشاعة الطاقة السلبية عبر كل هذا الإمتعاض والزهق والقرف والملل والفجاجة وتضييع الوقت وكل تلك المشاعر العوء التى لو أخبرنى أحدكم أنه لا يشعر بها فلن أصدقه.. دعونى أدفع عن نفسى التهمة وأخبركم أن الأحداث هى التى تحتوى بداخلها على الطاقة السلبية ولست أنا المسؤول عنها.. والسؤال الآن هو كيفية تحويل كل تلك الأطنان من الطاقة السلبية إلى طاقة إيجابية.. المسأله الآن هى أن تعمل فيها غلاف جوى مثل ذلك المحيط بالأرض وتمتص كل تلك الأشعة الضارة والطاقة السلبية لتحولها - من خلال عقلك وتفكيرك وحكمتك ورؤيتك المتأنية للأمور واجتهادك من أجل الوصول إلى الهدف الحقيقى الذى من أجله لقيت نفسك على هذا الكوكب الملعب - إلى طاقة إيجابية أو لا تعمل فيها غلاف جوى.. تلك هى المسألة الآن!