سنحاول التفكير فى قضية العدالة بعيدًا عن الاستقطاب «مكى / الزند» أو «الإخوان / الاستقلال» أو «الاستقلال القديم / الاستقلال الجديد».. كل هذه الاستقطابات هى صراع أصغر بمراحل من قضية العدالة فى مصر.. التى هى أكبر الآن وفى هذه اللحظة من «استقلال القضاء»، وبالتأكيد لن يصنعها لا الرئيس ولا سلطته «التنفيذية» ولا قضاته وسلطتهم «القضائية».. وهذا ما يمكن قوله فى محاولة التفكير:
1- العدالة ليست هى الصراع بين سلطتين.. أو محاولة استقلال سلطة عن أخرى.
2- العدالة لا تصنعها السلطة.. إلا فى الأنظمة السلطوية.. أنظمة الوصاية.
3- العدالة يصنعها المجتمع، وهى قضيته.
4- والخطأ التاريخى هو القياس على ما كنت تمنحه للمجتمع لحظات سابقة، مثل 2006 حين كان كل أملنا أن نجد قضاة شرفاء يكشفون التزوير.
5- يومها المجتمع «بقواه السياسية وحركاته الاحتجاجية.. وشبابه الحالم بالتغيير» حمى القضاة ودعّمهم فى مواجهة سلطة غاشمة بنعومتها.
6- قلب الصراع فى تلك اللحظة كان صراع سلطات أو قضاة يطلبون ندية مع سلطة مكتسحة تمد قبضتها «الناعمة أو الحديدية» إلى كل مكان يمكنها عبره السيطرة.
7- واليوم عندما تتكرر المعركة فلا سبيل للدهشة إن كانت المواقع اليوم معكوسة فمَن كانوا فى جوقة مبارك يطالبون اليوم بالندية، بينما مَن كانوا مع «الاستقلال..» هم الآن فى السلطة.
8- العدالة.. مفهوم آخر تمامًا.
9- مفهوم غير مقاومة الأخونة وفرق الـ4 آلاف إخوانى الذين يريد خيرت الشاطر دفعهم ليغيّر تركيبة القضاة إلى الأبد.
10- مفهوم غير الوقوف فى مواجهة إرادة المرسى فى أن يكون القضاء سيفه البتار للسيطرة السياسية.
11- هذه حرب سياسية لا بد فيها من صد عدوان السلطة والجماعة الحاكمة على القضاء.
12- لكنها ستكون معركة فارغة وطنطنة خادعة دفاعًا عن امتيازات من عصر مبارك إذا لم ترتبط بمفاهيم جديدة حول العدالة.
13- العدالة لا ترتبط بسلطة القاضى.. ولكن بحق وحرية المواطن ساكن هذه البلاد.
14- وهذا غائب تمامًا عن مفاهيم «استقلال القضاء» التى تقوم على «هيبة» القاضى لا عن تحقيقه عدالة تحترم حقوق المواطن وحريته.
15- لم تعترض حركات «الاستقلال» قديمها وجديدها على الأقفاص غير الآدمية فى المحاكم.. أقفاص لا نرضاها للحيوانات.. وتعبر عن نظرة احتقار.. فالمميز لا يدخل هذه الأقفاص بعد أن يحصل على تصريح من القاضى.
16- ومن النادر أن تتأسس الأحكام على حريات أو حقوق.. التى هى أصل العدالة من مفهومها الحديث وليس بمفاهيم قديمة.. تنتمى إلى عصور لم يكن المواطن أو الفرد فيها هو أساس الدولة.. كانت هذه الدول حكّامها هم الأسياد والسكان رعايا لا مواطنين.
17- لم نعد رعايا.. ولا الحكام أسياد.. لكن المفاهيم ما زالت كما هى.. وهذه هى أزمة العدالة التى لن يصنعها رئيس أو قضاته.. ولن تتحقق بالصراع بين جماعة استولت عليها شهوة الحكم وتريد بفشلها الكبير أن تسيطر فى لحظة لا يصلح معها حكم السيطرة القديم.. ولن تتحقق بقضاة يهرولون إلى قصر رئيس اعتدى على القانون والقضاء ووضع نائبًا عامًّا بطريقة غير شرعية.
18- العدالة لن يحققها استغلال جماعة الإخوان لملفات «تطهير القضاة» لابتزازهم.. ولا هبّة القضاة للدفاع عن امتيازاتهم.
19- العدالة يصنعها المجتمع.. وطبقًا لمبادئ الحريات والحقوق التى تحترم حرية الفرد وتحميه من بطش السلطة بكل تجلياتها.
20- لتتحقق العدالة لا بد من تفكيك المفهوم المملوكى للدولة الذى تتحول فيه المهن إلى طوائف لها مصالح وامتيازات.. تكبر أو تنكمش حسب توازن علاقتها مع سلطة الحكم.
21- لماذا مثلًا القضاة هم الذين يكتبون قانون السلطة القضائية؟ من المفروض أن يكتب القانون المجتمع ممثلًا بقواه الحقيقية لا تلك التى يختارها الرئيس وحاشيته ليلعبوا دور الكورس..
22- وسنلاحظ أن قانون السلطة القضائية بنسختيه «الزند ومكى» كان التنافس بينهما فى تمتين «هيبة القاضى» فى مقابل تقزيم الأطراف الأخرى بما فيها المحامون.
23- تحويل القضاة إلى طائفة لها امتيازات يجعل القوانين المكتوبة بهذا الوعى هى عملية تضخيم لأبناء الطائفة.. وفى المقابل فإن طهاة القوانين فى كواليس الجماعة يريدون قانونًا يجعل الطائفة معلقة فى العربة الخلفية للرئيس.
آن الأوان للتفكير فى مفاهيم أخرى، العدالة دون استقطابات هذه الحرب.. وبالطبع مع إدراك أن انتصار الجماعة فى حربها ضد القضاة سيعيدنا إلى القرون الوسطى.