المحاولة التى تجرى حالياً لوضع قانون جديد لإصلاح السلطة القضائية، غرضها الحقيقى سياسى، وذلك بغية التغلب على تسييس هذا المرفق الحيوى. فإعادة النظر فى سن التقاعد وقواعد الإعارة والندب ومساواة الرواتب والإشراف على الانتخابات وموازنة القضاء والتأديب، كلها أمور مهمة لإعادة التوازن داخل مرفق العدالة بعد أن أصابه ـ باعتراف القضاة أنفسهم ـ بعض المشكلات، نتيجة ثلاثة عقود من محاولة مبارك تدجين القضاء، والهيمنة عليه من وزارة العدل، وشراء أشخاص بأعينهم، وتوريث منصة القضاء على حساب الكفاءة والخبرة، ما أنتج حالة من الضعف المهنى....إلخ، كل هذه الأمور وغيرها تحتاج بالفعل إلى إعادة نظر. لكن ذلك لا يجب أن يتم بشكل عشوائى، بل يتحتم أن يكون له أصول.
بداية فإن التوقيت المثار بشأنه تعديل القانون، يوحى برغبة فى الانتقام بالمرفق الوحيد الذى بقى من سلطات الدولة بعد ثورة يناير. وكانت المطالب الحالية لتعديل أوضاع القضاء تنم عن رغبة فى التنكيل والتشفى فيه من قبل الإخوان وبعض أنصار التيار الإسلامى والتنظيمات المتأخونة وعلى رأسها جبهة الضمير وهى زهرة التحالف بين الإخوان والوسط. وقد رفع هؤلاء شعار «تطهير القضاء» وليس إصلاحه بما ينم عن رغبة الحقد والضغينة. المؤكد أن حل مجلس الشعب فى منتصف يونيو كان بداية الأزمة، لأنه منع الإخوان من التمكين فى إحدى أهم سلطات الدولة، وهى سلطة التشريع، وما أعقبه من أحكام لتبرئة رموز نظام مبارك. والمؤكد أيضاً أن القضاء حكم بما لديه من قوانين، وحكم بمحاكم عادية لا ثورية ولا خاصة، وكان بإمكان السلطة أن تعدل كل ذلك بهدوء، لكنها حملت القضاء المسؤولية، واتهمته بأنه «فلول». والمشكلة القادمة هى خروج مبارك من محبسه الأيام القادمة، هنا ستصبح الثورة قد انتهت رسمياً، بعد انتهائها بحكم الأمر الواقع، وستصبح المسؤولية الكاملة على الإخوان.
أما بالنسبة للتوقيت الصحيح لعرض الموضوع، فيعتقد أن الانتظار بعض الوقت كى تهدأ الأمور هو القرار الأصوب، هنا من المهم الإشارة إلى حتمية التأجيل إلى أن يتشكل مجلس النواب، فهو المجلس ذو الشرعية المؤكدة وليس الاستثنائية لسن التشريعات.
من ناحية أخرى، من المهم أن يكون هناك مؤتمر جديد للعدالة، بعد المؤتمر الأول الذى عقد عام 1986، فيه تضع أسس ومعايير لمعالجة جميع القضايا السابقة وغيرها من القضايا، ومن خلال ما يصدره هذا المؤتمر تتحدد فلسفة القانون الجديد للسلطة القضائية.