عبادة الأصنام هي الديانة الأوسع إنتشاراً في مصر..
وتتصدر صناعة الأصنام كل الصناعات الأخرى في هذا الوطن، حتى أنها وحدها كفيلة بدفع عجلة الإنتاج وزيادة الدخل القومي إن أحسننا إستثمارها.
وفي كل الفروع العامة صنع المصريون عشرات التماثيل، ما بين آلهة من رياضة، من فن، من إعلام، من سياسة، من مشايخ إلخ إلخ.
وحذاري أن تقترب من إله أحدهم...فلن تجد ما يسرك، آلهة ما صارت من عجوة بل أكثر قداسة مما عداها.
وأذكر في حوار حول التاريخ مع جار سلفي في أحد تظاهرات ميدان التحرير، أنني خضت في سيرة معاوية بن ابي سفيان، وناصرت علياً بن ابي طالب، ثم تكلمت عن عمرو بن العاص بما لم يرض الجار، وتناقشنا طويلاً حول زمن الفتنة، وما تلاه حتى وصلنا عند الشيخ محمد حسان، وبمجرد انتقادي له وسؤالي عن التبرعات البديلة التي جمعها الشيخ الفاضل بديلاً عن المعونة الأمريكية وأين ذهبت؟
حتى انتفض الجار السلفي وكأن ثعباناً أقرعاً بجواره، وتحول لآلة لا تتوقف عن السباب، الذي طال سابع أجدادي رحمهم الله، وما كان مني سوى رد واحد «مسامح في معاوية وعمرو بن العاص وغيرهم إنما حسان لأ، أما أنت .... - من نفسي».
فقط أقتربت من إلهه الشخصي، الذي لا يطيق الإقتراب منه أو انتقاده بأي شكل كان.
قس على هذا في كل المجالات، وجرب أن تنتقد فناناً يحبه زميلك، وغالباً ما سيصارحك برأيه في كونك «حماراً» وأنه لم يخف عنك هذا من قبل إلا بحكم الخجل، أو انتقد أبو تريكة ودع الأهلاوية يصلبونك وهكذا.
إلا أن الجديد الآن هو آلهة السياسة، ذلك الفرع الجديد نسبيا على المصريين، والذي تم تدشينه عقب ثورة يناير، وكبيرهم هذا الشهير بحازم صلاح ابو إسماعيل خير دليل، وما أنصار شفيق ومبارك منه ببعيد.
وكأننا لم نقم بثورة، حلمنا فيها بالمستحيل حتى حققناه.
وكأننا لم نثور حتى نهدم صنم الرئيس الأب ونظامه.
هذا هو قدر جيلنا أن يحمل عصا إبراهيم عليه السلام ليهدم الأصنام واحداً بعد أخر، لأن العبيد يفتحون الشمسية إذا سقطت الحرية من السماء، والبعض ما زالوا غير قادرين على كسر أصنامهم الشخصية...
نعم لثورتنا أبطال ورموز، لكنهم ليسوا آلهة، نثني عليهم ونمجدهم حين يصلحوا ويصيبوا، وننتقدهم ونوجههم حين يخطئوا.
وريم ماجد أحد تلك الرموز، تلك الإعلامية الحرة التي أعتنقت الثورة ديناً منذ يومها الأول، فما تلونت ولا توانت يوماً عن نصرتها.
ولأن ثورتنا أنثى مهما حاولوا تصوير غير هذا، بكل ما في المرأة من جلد وقوة، كل ما فيها من نماء، وكل ما يصيبها من ابتلاء، بكل هذا الإبداع الذي وضعه الخالق فيها، بسر الميلاد الذي تملكه، ثورتنا "ولادة"، بدموع المرأة ودلالها، بإخلاصها وحتى صوتها.
وصوت المرأة ثورة، وريم صوت من أصوات الثورة، بملامحها المصرية الأصيلة التي شكلتها إيزيس وحتشبسوت وآسية وهدى شعراوي ولطفية النادي وأم كلثوم وفاتن حمامة وغيرهن من المصريات، وباركتها السيدة زينب والسيدة نفيسة ومريم العذراء في رحلتها بمصر.
بأدائها الصادق الذي يشبه ثورتنا، غاضبة حين يحاولون كسرها، سعيدة حين يكتمل حشدها، طائشة حين يعجز إدراكها، مجنونة وعاقلة، ثابتة راسخة على مبدأ لا تحيد عنه، حتى أن المصنفين احتاروا في ديانتها، ونسوا أنها فقط تلك المصرية التي تراها في الشارع في السوق، أو زميلتك في العمل، بإبتسامتها «الطِعمة» الصادقة، التي لا تفكر ابداً معرفة ديانتها في عصر ما قبل التصنيف الوهابي.
ريم ماجد التي انتهزت كل فرصة وشاركت في كل فعاليات الشارع، لأنها تدرك أن مذيعي الأبراج العاجية كاذبون، بقدراتها الأسطورية على سماع كل صوت تعرف عليهاـ ومناقشته وكأن روحها غُزلت من كلمات وهموم الأخرين.
ولأنها صدقتنا صدقناها، ولأن الإعلامي إذا قدم ما يفيد جمهوره لا ما يريد وصل إلى هذا الجمهور، كانت ريم ماجد أحد تلك الاصوات التي عبرت عن الثورة دون سقف أو خطوط حمراء.
ولأننا لا نصنع أصناماً فقد أخطئت ريم يوم استضافت أم شهيد قتله بلطجية الداخلية، أمام أم شهيد للشرطة مات على يد بعض البلطجية، وادارت نقاشاً لا يليق.
أخطئت وأنتقدناها، وربما لأنه لم يتم تدشينها إلها بعد لم نجد من يسبنا لأننا انتقدناها، ولم تهن ولم تحزن - تماماً كثورتنا - وأكملت ما بدأته منذ عامين وأكثر وستكمل اقوى لأنها على الحق وغيرها على الباطل، ضمن باقة من أصوات ثورتنا على رأسها يسري فودة ومحمود سعد وباسم يوسف ودينا عبدالفتاح وليليان داود - ولنا عودة مع ليليان تحديداً -.
علمتنا الثورة أن نخطيء ونصيب، وأن ننتقد بعضنا البعض ونسعد بهذا النقد، لا التبرير، وسنواصل دون هوادة هدم تلك الأصنام التي وجدتم أبائكم لها عاكفين، ثورتنا كما قال الصديق مالك مصطفى دين جديد، يحب من أحبوه ويعادي من يعاديه.
ملحوظة: عزيزي الدكتور مرسي ..صنع المصريون كل هذه الأصنام وتوقفوا عندك......هل من مبرر؟