منذ أن يتعلم الطفل المصري الكلام يسمع الأتي:
«متعملش كده أنت ولد مش بنت» أو العكس...«إزاي تلعب مع ابن البواب، ميصحش كده».
«اسمع كلام اخوك الكبير، انت الصغير»...«أنتي بيضة زي القشطة» - السمر وحشين -
«انت سمرا والسمار نص الجمال» - البيض باهتين ويقرفوا -
ثم يدخل الطفل المدرسة ليسمع الأتي:
«أنت مسلم وهو مسيحي مينفعش تاخدوا حصة الدين سوا»..وفي البيت «لا تاكل معاه ولا تصاحبه».
«إحنا مصريين بنينا الحضارة، وبقية العالم زبالة»
ثم يصل إلى مرحلة المراهقة ليتبادل النكات مع أصحابه حول الصعايدة وذوي البشر السمراء، وهكذا إلخ إلخ إلخ.
الشعب المصري عنصري بطبعه..مغرم بالتصنيف.
ويبدو أن الحضارة المصرية القديمة قامت على تصنيف البشر، وتوارثناها حديثاً بحكم الغزو المتتالي ما بين طبقة حاكمة وشعب، حتى بعد ثورة يناير، حين تفرغ المصريون لممارسة التصنيف على بعضهم البعض بعد أن تساوت الرؤوس ظاهرياً.
لكن الإعلام بقى بعيداً عن تلك العملية ما قبل ثورة يناير، حيث بقى الإعلام الحكومي بطبعه الريادي البائس، وقنوات دينية تدعو للزهد والقنوط وطاعة الحاكم، وتمارس الرقية الشرعية، وبقيت القنوات الخاصة بعيدة عن أي تصنيف تحت عباءة النظام، إلا من رحم ربي من بعض جرائد المعارضة والإذاعات الـ«أون لاين» التي لم يزد متابعوها عن بضعة ألاف.
ثم قامت الثورة ...
وخلال عام ونصف من الفترة الإنتقالية التي أدارها المجلس العسكري أخذت القنوات الفضائية تتشكل يوماً بعد يوم، خاصة مع استخدام موقع الـ"يوتيوب" لتوثيق كافة السقطات التي فضحت تلك القنوات خلال الـ 18 يوم التي سبقت تنحي مبارك.
ومع تولي الدكتور محمد مرسي الحكم في مصر، وبداية عصر التمكين الإخواني، بدأ المصريون ومع تزايد غضبهم على الإخوان وللمرة الأولى وبصورة ملحوظة يصنفون قنواتهم الفضائية ما بين معارض وموالي للنظام.
ومع ارتفاع أصوات محسوبة على النظام السابق مثل عماد أديب ولميس الحديدي وخيري رمضان بالمعارضة، ظل الجمهور الحائر أو ما اصطلح على تسميته "حزب الكنبة" الذين لم يساندوا الثورة ولم يرفضوها غير مقتنعين بما يقدمونه، لم يعقلوا أن تؤيد مبارك بفساده أمس، وتحارب مرسي بفشله اليوم.
وبقى من بقي من الثوار لا يثق إلا فيمن صنفهم منذ بداية الثورة، وأختار اأنصار النظام السابق - الفلول - أن يصدقوا رموزهم الإعلامية السابق ذكرها، وأستمر الإخوان وأنصارهم من تيار الإسلام السياسي يهزون رؤوسهم راضين بما تقدمه قنواتهم، كافرين ومكفرين لكل من وما عارضها.
صنف المصريون الإعلام..وأصبح للثورة أصوات تدافع عنها وتعرض وجهة نظرها....
******
«اللهم احمني من اصدقائي، أما أعدائي فأنا كفيل بهم»
قول شائع تردده الثورة دون توقف، خاصة تجاه بعض إعلامييها المحسوبين عليها
وعلى رأسهم الإعلامي يوسف الحسيني، الذي عمل كمذيع في القناة الفضائية المصرية منذ عام ١٩٩٨ ولمدة ٩ سنوات قدم خلالها العديد من البرامج منها «كل يوم كتاب» و«مقال الأسبوع»، ثم شارك مع الجيل الأول من مؤسسي إذاعة نجوم FM المصرية ليتدرج في المناصب حتى أصبح مديراً للبرامج والتطوير بالإذاعة.
ثم عمل بالعديد من القنوات التليفزيونية المصرية والعربية، ثم عمل في قناة المحور ثم قناة بيئتي المملوكة لجامعة الدول العربية التي قدم برنامجها الرئيسي «توازن» ثم قناة «الساعة» والتي قدم برنامجها الصباحي «صباح الكل» ثم برنامج العرض الصحفي اليومي «حبر على ورق» ثم برنامجها المسائي اليومي «ساعة بساعة» حتى انضم الي قناة أون تي في ليقدم «رمضان بلدنا» في ٢٠١١ ثم برنامجها الصباحي صباح أون، ثم برنامج «السادة المحترمون».
ولأن يوسف كان مشغولاً قبل الثورة بإذاعة الأغاني الأولى في مصر،ولأنه لم يقدم برامج رئيسية لقنوات فضائية في عصر مبارك، لم يحتسبه المصنفون على النظام السابق، وخلال الفترة الإنتقالية لم يصدح صوت الحسيني ليعارض العسكر، فقط بدأ يوسف الحسيني في الظهور كصوت ثوري - يصدقه المصنفون الحيارى - بعد وصول الإخوان للحكم.
وبأداء هيستيري لا يليق بإعلامي أدار الحسيني برنامج «صباح أون» على صورة «عركة» وتحول الخطاب إلى لغة ردح لا تليق بمنبر إعلامي، وتفرغ لخطاب سخرية وتهديد ودخول معارك فردية - مثلا مع ابن الدكتور مرسي - نجح خلالها بأداء «يوتيوبي» بحت في اسب الإخوان وتلقينهم دروساً تليق بخناقة في طابور عيش أو بوتجاز.
ولم يستطع الحسيني أن يجاري زملائه في نفس القناة يسري فودة، وريم ماجد، أصوات الثورة الصادقة الخالصة التي تحيزت لها ودافعت عنها، دون تشنج أو معارك جانبية، دون محاولة خوض معارك لا تفيد من أجل بطولة شخصية، تسيء للثورة وإعلامها المحدود كماً وكيفاً.
وعلى الرغم من تواضع إمكانيات المذيع الشاب في تقديم برامج حوارية، انتقل لمرحلة أخرى في برنامجه الجديد ليقدم «السادة المحترمون» وبأدائه «اليوتيوبي»- نسبة إلى متحدثي اليوتيوب في المقاطع المسجلة وليست يوتوبيا - فشل في إعطاء مساحات حوار لضيوفه، وتفرغ للحديث والكلام دون طائل، مع بعض محاولات استنساخ برنامج باسم يوسف في موسمه الأول، وهو ما يحتاج إلى خفة ظل يفتقدها الإعلامي الشاب تماماً.
لتبقى تجربة يوسف الحسيني التي تم إحتسابها على الثورة مسيئة للغاية لم تنجح سوى في مجاراة أشخاص مثل علاء صادق وعمر محمد مرسي وعمرو زكي في السباب و«الخناقات» الفردية التي لم تفد ولن تفيد.
أما على المستوى المهني - الذي بالمناسبة لا يشترط الحياد إلا لمذيعي نشرات الأخبار - فعن انتحار المهنية حدث ولاحرج.
للثورة رجال تعرفونهم..صوتهم هاديء لأنهم سيف الحق..حجتهم حاضرة بلا تشنج، يبحثون عن وطن لا عن بطولة.
فقط الأشياء المزيفة تلمع أكثر.