«مصر محور الكون.. تلك الدولة التى علَّمت التاريخ الكتابة.. أم الدنيا»
ثلث هذه العبارة الأول خطأ تمامًا ونصفها صحيح.. وآخرها لا معنى له على الإطلاق.
الدولة المحور فى هذا العالم هى الدولة القوية، التى تستطيع رعاية وخدمة مصالحها فى كل أنحائه، التى تصدر أكثر مما تستورد، التى تبتكر، لا تنتحل، ومصر ليست هذه الدولة.
أما عن تعليم التاريخ الكتابة، فهى جملة صحيحة تمامًا، لكن للأسف لا فضل لنا فيها، بل مجد توارثناه جيلًا بعد جيل على مر هذا التاريخ، حتى كره الكتابة عنا، صرنا أسوأ أمة خرجت للناس، وحتى الكتابة لا يعرفها 40% من شعبنا.
وأخيرًا أم الدنيا، وإن كان تعبيرًا مجازيًا، إلا أنه صار شديد السخافة، تم ابتذاله بشوفينيتنا المحببة، التى ترانا الأفضل، الشعب العبقرى صاحب أذكى طفل، أشد الرجال فحولة، الذى يصدر العلماء لأنحاء العالم -كل هذا وهمى تمامًا- بل ونحن أصحاب الحضارة الأقدم عالميا، دون أن يتوقف صاحب العبارة ليرى أصحاب الحضارة يتصارعون فى طابور للخبز أو البوتاجاز، أو وهم يلقون قمامتهم فى الشارع، أو ورجالهم يتحرشون بنسائهم فى عرض الطريق.. إلخ إلخ إلخ.
ولأنه تم تصنيفنا كإحدى دول العالم الثالث فى العصر الحديث، وبعد التطور الهائل فى كل وسائل التكنولوجيا عالميا، عجزنا عن ممارسة شوفينيتنا على العالم بأسره، واكتفينا بالإخوة العرب رفاق التأخر والكبت والقهر والجهل والحرمان.
لهذا لم يكن مستغربًا أن يستهجن البعض إعلاميا وجود مذيعين عرب، يديرون برامج «توك شو» على قنوات فضائية مصرية، ويرونها نوعًا من التجاوز، بل ويعتبرونها عيبًا لا يليق، متجاهلين وجود قناة قطرية مخصصة لنقل وتحليل أخبار مصر طيلة 24 ساعة، بل وحتى لا يستنكرون الظهور على شاشتها كضيوف ليدلى كل منهم بدلوه فى ما يخص مصر أمام العالم.
ازدواجية تعودناها حتى صارت أكثر هوايات المصريين انتشارًا، الشيوخ يفضلون الخوض فى الأعراض، اليساريون يناصرون مرشحًا إسلاميا، بينما يتمنى الليبراليون عودة الإسلاميين إلى السجن.
مقدمة طويلة احتجتُها لإجراء مقارنة بين المذيع اللبنانى طونى خليفة وبرنامجه «أجرأ كلام» على قناة «القاهرة والناس»، والإعلامية ليليان داوود وبرنامجها «الصورة الكاملة» على قناة «أون تى فى».
حيث اعتاد الجمهور المصرى على الأول بحكم تقديمه برنامجًا سنويا فى رمضان على نفس القناة حين كان يقتصر بثها على الشهر الكريم، وخلال مواسمه الأولى، وعلى النمط اللبنانى فى مناقشة فضائح الفنانين الخاصة، فشل طونى فى إثبات وجوده، لكن ومع رمضان الماضى ومع فريق إعداده المتميز، بالإضافة إلى تغير نوعية الضيوف التى تضيق معها مساحة الفضائح الغرامية، وتلك الخاصة بالكيف وغيرها من التوابل، بدأ طونى فى تقديم وجبة إعلامية مختلفة لا ينقصها إلا هو.
حيث ما زال المذيع صاحب الـ45 عامًا، والذى بدأ حياته كلاعب كرة طائرة، ثم قام بعدها بعمل أول برنامج رياضى له على إذاعة «بيبلوس»، ثم انتقل بعدها إلى إذاعة «لبنان الحر».
وفى عام 1992 انتقل إلى قناة «إل بى سى» اللبنانية بهدف تغطية الانتخابات النيابية ليبقى فيها كمراسل إخبارى ثم مذيع نشرة أخبار، حتى سنة 1997 عندما بدأ فى تقديم برامج المسابقات والبرامج الفنية منها «بتخسر إذا ما بتلعب»، «ساعة بقرب الحبيب»، حتى سنة 2007 عندما تركها، لينتقل إلى قناة «الجديد» ليقدم برنامج «للنشر».
وما زال طونى خليفة كما هو بنفس عدم استعداده وعدم اكتراثه بما يقدم، ورغم انتقاله إلى مجتمع آخر لا يعرف فيه أغلب ضيوفه، فإنه يعتمد على سرعة بديهته وإمكانياته كمحاور، وكأننا أمام مطرب موهوب، يصر على النشاز، وما زال عاجزًا عن التخلص من طابعه اللبنانى فى إثارة الضيوف والوصول بهم إلى ذروة الاشتباك بالضرب أو السباب، وهو ما يشجعه طارق نور مالك القناة تمامًا.
فى الحقيقة يبقى برنامج طونى خليفة فى مرتبة متأخرة فى برامج «التوك شو» المصرية، وهى مرتبة لا تليق بالجهد المبذول من فريق إعداده، والذى لولا مجهودهم لصار الأمر يشبه الفضيحة.
على العكس تمامًا ظهرت ليليان داوود على الساحة الإعلامية المصرية، بإمكانيات محاورة محترفة، تعرف جيدًا إمكانياتها الشخصية، وكيف تستفيد من فريق إعدادها المميز جدًا، وكأن بدايتها الإعلامية وهى فى سن الـ13 من خلال إذاعات مدرسية وجامعية، ثم دراستها لعلم «الأنثربولوجى» قد سَاعَدَتَاهَا على دراسة الناس جيدًا، بالإضافة إلى عملها فى هيئة ومدرسة إعلامية مرموقة هى الـ«BBC» حيث تم صقل موهبتها، وعلى الرغم من عملها فى البداية كمذيعة «راديو» مثل طونى، وكرهها للتليفزيون -على حسب قولها- فإن وجودها فى مصر بعد انتمائها الكامل لثورات الربيع العربى وبعد غربة 12 عامًا أمضتها فى لندن، كانت طلتها على الشاشة مختلفة، حيث نجحت فى وقت قصير فى إيجاد علاقة مميزة بينها وبين المشاهد المصرى، على الرغم من وجودها فى قناة ضمت طبقًا للتصنيف الشعبى للإعلام فى مصر، مجموعة من أقوى نجومه مثل يسرى فودة وريم ماجد، لكنها وبذكاء «أليسار ديدون» التى أسست وحكمت «قرطاجنة»، وباستعدادها اللا نهائى لدراسة الشأن المصرى، بدرجة لا تجعلها تخجل من أن تسأل الضيف عن «إفيه» عامى مصرى أفلت منها، وبصدق من أحب الثورة، أحبتها الثورة.
ليصبح برنامجها «الصورة الكاملة» أحد أهم البرامج الحوارية السياسية التى «يصدقها» المصريون رغم شوفينية البعض.
الفارق ما بين ليليان وطونى هو الفارق ما بين الورد الطبيعى والصناعى البلاستيكى، هذا ينثر شذاه أينما حلَّ، والآخر تشغل ألوانه العين لثوانٍ قبل أن تملَّه.
المجد للصدق والجهد أينما كانت جنسيته.