أتمنى أن لا تتورط الأجهزة الفنية فى مصر وتبدأ فى تنفيذ خطة سرية ضد ما يصفونه بغزو الدراما التركية.. الكل يخشى من حالة الأتركة التى صارت تسيطر على كل القنوات التليفزيونية العربية أرضية وفضائية، إذا كانت سوريا تعتبر أن الدوبلاج باللهجة الشامية يمنحها حضورًا عربيًّا ولو بالصوت فإن الدراما المصرية تواجه الهزيمة مزدوجة: صوتًا شاميًّا وصورة تركية.
الأمر فى الحقيقة له وجهه الاقتصادى، حيث إن المحطات الفضائية التى كانت الداعم الرئيسى لشركات إنتاج الفيديو لتنفيذ الأعمال الدرامية صارت تساوم الشركات فى السعر لأن المسلسل التركى معروض بثمن أقل ربما لا يتجاوز 10% من سعر المسلسل المصرى، وفى نفس الوقت فإن المشاهد المصرى صار يفضله على الطريقة التركية.
إنه البديل الأرخص، لهذا تُقبِل عليه القنوات التليفزيونية وصارت المساحات التى تحتلها الدراما التركية تزداد عامًا بعد آخر، كل ذلك بناء على طلب الجمهور. مشاعر الناس هى التى تجبر الفضائيات للهاث وراء التركى. بالتأكيد رخص الثمن أحد العوامل المساعدة فى إتمام الصفقات تجاريًّا، ولكن القناة لا يمكن أن تقدِّم للمشاهد وجبة درامية لمجرَّد ملء ساعات فارغة، ولكنها وجدت لدى المشاهد رغبة ملحَّة لتناول هذا المذاق.
توجد محاولات لتحجيم الوجود التركى، ولا أتصور أن الأمر سهل لأن السوق الدرامية مفتوحة، ولا يمكن أن تطلب من فضائية أن لا تشترى مسلسلًا تراه بالنسبة إليها الأنسب فنيًّا واقتصاديًّا.. عندما أصدرت نقابة الممثلين المصرية قبل ست سنوات قرارًا يحذر من التعامل مع الفنانين العرب رافعين شعار «جحا أولى بلحم طوره» لم يصمد القرار طويلًا، والكل بعدها تبرأ منه لأن كل قرارات المنع والتحجيم فى ظل تغلغل الميديا قد تجاوزها الزمن.
هل تستطيع حقيقة الدولة أن تسيطر على الفضاء؟ الأزهر الشريف بما له من قوة روحية على أغلب المسلمين فى العالم لا مصر فقط أصدر قرارًا فى رمضان الماضى بتحريم مشاهدة مسلسل «عمر» الذى عُرض فى قناة «إم بى سى»، فكيف كانت النتائج بغض النظر عن المستوى الفنى للمسلسل الذى لم يكن بمقدار التوقع؟ الناس شاهدته، وبكثافة، وهو ما تكرر قبلها مع مسلسل «الحسن والحسين ومعاوية» الذى احتجّ عليه أيضًا الأزهر.
هل تستطيع نقابة السينمائيين أو غرفة صناعة السينما أو وزارتا الثقافة والإعلام أن تفرض على شركات الإنتاج قانونًا يحول بينهم وبين شراء نوع محدد من البضاعة الدرامية؟ ولو افترضنا وامتنعت الفضائيات المصرية عن شراء التركى فهل تتصور أن المشاهد سوف يحذو حذو القنوات ويقاطع؟ بالتأكيد سوف يبحث عن المسلسل فى فضائية عربية ونكتشف أن الخاسر هو الإعلام المصرى!
الحقيقة هى أن شركات الإنتاج تدفع الملايين أجورًا للنجوم بينما الفضائيات كانت تشترى هذه المسلسلات بالأجر الذى تريده الشركة، الآن تلك القنوات تساوم على الثمن بسبب توفر البديل الجيد، وهذا يفسر لك سر تراجع عديد من الشركات عن الإنتاج هذا العام.. وكما أن البضاعة الصينية تغلغلت إلى كل شىء فى حياتنا، الفوانيس والسجاجيد بل وغشاء البكارة الصينى، تكرر الأمر مع الدراما التركية.. ويمكن تلخيص تلك المعادلة على هذا النحو: تاجر سورى شاطر اشترى حق التوزيع لمسلسل تركى وقام بالدوبلاج، لماذا لا تفكر مثلًا إحدى شركات توزيع الفيديو المصرية فى لعب هذا الدور وشراء المسلسل ودبلجته إلى المصرية؟
التنافس هو القانون الذى فرضه الفضاء.. مشاعر الناس تحركت بوصلتها تجاه التركى، وعلينا أن نفكر كيف نعيدها مرة أخرى إلى المصرى.. أول ما ينبغى أن نبدأ به معركة التصدى إذا صح أن هناك معركة بالفعل هو البحث عن مواسم درامية أخرى غير رمضان، لأن ترك الساحة الدرامية خاوية على مدى 11 شهرًا بعد رمضان يجعل المسلسل التركى يحتلّ المساحة كلها بلا منافس. المشاهد عندما يجد مسلسلًا مصريًّا جيدًا سوف يدير الريموت كنترول متوجهًا إليه، ولكن مع الأسف فإن المسلسلات المتواضعة إنتاجيًّا هى التى تُعرَض بعد رمضان. أكبر خطأ هو أن يتصور البعض أن من الممكن حصار أو حتى تقليص الدراما التركية بإصدار قرار يمنع تداولها، صار هذا الآن مستحيلًا. الحل الوحيد هو طرح البديل المصرى الجذاب. يبدو أننا مع الأيام إذا لم نتنبه سنصبح -مع الأسف- البديل!