رغم أن زيارة وزير الدفاع الأمريكى تشاك هيجل لإسرائيل تأتى فى إطار جولة تشمل عدة دول فإنه يجب الالتفات إلى طبيعة تصريحاته فى الدولة العبرية التى ركزت على أن صفقة جديدة من أسلحة متطورة سوف تبرمها الولايات المتحدة الأمريكية مع تل أبيب، منوها صراحة إلى أن هذه الصفقة «إشارة واضحة جدا» بوجوب امتناع إيران عن امتلاك أسلحة نووية مع تشديده على تطابق وجهة النظر بين البلدين حول ضرورة منع طهران من امتلاك هذا السلاح، وإذا كانت هذه الصفقة يمكن أن تمثل ورقة ضغط لصالح إسرائيل فى صراعها المحتدم مع إيران، إلا أن هذا لا يعنى عدم امتداد تأثيرها إلى دول المنطقة، لأن الميزة النوعية التى ستوفرها الأسلحة الجديدة تعطى إسرائيل تفوقا إقليميا فى القدرات العسكرية.
لهذا لا يجب أن يغفل متخذ القرار فى مصر عن تطور التسليح فى الجيش الإسرائيلى، مع الأخذ فى الاعتبار أن صفقة الأسلحة الأخيرة ليست وليدة الأمس، ولكنها طبقا لما قاله روبين بن شالوم، أحد كبار القادة السابقين، جزء من عملية مستمرة، ومن المعروف أن واشنطن تحرص على استمرار التفوق الكمى والنوعى للقوة العسكرية فى إسرائيل من قبل أن تبدأ أزمة تخصيب اليورانيوم فى إيران، لذا يصبح من الضرورى تحليل طبيعة الصفقة الأخيرة وهى تتكون من:
1- صواريخ حديثة قادرة على ضرب أجهزة الرادار المعادية والعاملة منها مع منظومات الدفاع الجوى وإبطال قدرتها على الاشتباك مع الطائرات المهاجمة.
2- رادارات جديدة لطائرات سلاح الجو الإسرائيلى.
3- طائرات «كى سى- 135» للتزود بالوقود فى الجو.
4- طائرات نقل جنود من طراز «فى- 22 أوسبرى».
من الحقائق الثابته أن سلاح الجو الإسرائيلى يحقق تفوقا كميا ونوعيا، مقارنة بأى قوات جوية أخرى فى المنطقة، ويمثل الدفاع الجوى العامل الرئيسى فى تحقيق التوازن الاستراتيجى فى مواجهة تفوق الطيران الإسرائيلى، لذلك فإن الصواريخ الحديثة المضادة للرادارات التى ستزود بها إسرائيل سوف تؤدى إلى إبطال إمكانية إطلاق صواريخ الدفاع الجوى المضادة للطائرات بعد تعطيل الرادارات أو تدميرها، وبهذا تزداد فرص السيادة الجوية الإسرائيلية التى تمثل ركنا أساسيا فى العقيدة القتالية للجيش الإسرائيلى. وإمعانا فى تعزيز هذا التفوق الجوى تشمل الصفقة الجديدة إضافتين مهمتين، الأولى: جيل أحدث من رادارات الطائرات تمنحها ميزات إضافية مؤثرة فى معارك الجو مع الطائرات المعادية، وتمكنها من اكتشاف الصواريخ الموجهة نحوها. والثانية: الطائرات المصاحبة التى تقوم بتزويد المقاتلات والقاذفات بالوقود فى الجو، وهى لا تتوفر فى كامل الإقليم لأى دولة غير إسرائيل، مما يعنى أنها الوحيدة القادرة على الوصول إلى أقصى عمق فى أى دولة من دول الشرق الأوسط، أى أنها بالفعل تحقق نظرية الذراع الطويلة التى تبنى عليها عقيدة قواتها الجوية.
للمرة الأولى تسمح الولايات المتحدة الأمريكية بحصول دولة أجنبية على طائرات نقل الجند من طراز «فى- 22 أوسبرى» التى اقتصر استخدامها حتى الآن على الجيش الأمريكى فقط منذ بدأت الخدمة فى 8 ديسمبر 2005، وهى ناقلة الجند الوحيدة فى كل جيوش العالم ذات القدرة على الإقلاع والهبوط العمودى، وهما لا يتوفران سوى فى الطائرات الهليكوبتر، بالإضافة إلى سرعة التحليق العالية التى تتميز بها الطائرات ثابتة الجناح، وتبلغ تكلفة الطائرة الواحدة 80 مليون دولار، وتخدم فى كل أفرع القوات المسلحة الأمريكية ومجهزة لنقل 24 جنديا بكامل التسليح والمعدات والاحتياجات الإدارية لمسافات بعيدة، وفى الأغلب فإن استخدام إسرائيل هذه الطائرات فى عمليات خاصة ضد إيران أمر مستبعد، نظرا لقوة تأمين البلاد بالحرس الثورى والقوات المسلحة، فإيران فى النهاية ليست أوغندا عيدى أمين التى قامت فيها إسرائيل بعملية عنتيبى الشهيرة، وإن كان هذا لا يعنى بالطبع عدم إمكانية حدوث الأهم بعد حصول إسرائيل على هذه الطائرات أن الفرصة سوف تصبح متاحة لقواتها الخاصة فى تنفيذ عمليات نوعية أكثر تأثيرا، لا سيما مع حالة السيولة الأمنية التى تشهدها المنطقة العربية الآن.
إن الدعم الأمريكى المستمر لإسرائيل بأحدث أجيال السلاح لا يعنى تفوقا مطلقا لها، ولا يعنى صعوبة التصدى لأى محاولة عدوان من جانبها، لكن تعظيم الآلة العسكرية أمر يؤخذ بطبيعة الحال فى الاعتبار، لأن أحد العوامل المهمة للغاية للتمسك بالسلام تتمثل فى الحفاظ على توازن القوى.