بعض الناس الطيبين ربما يسألون الآن ببراءة: ماذا ينتظر فضيلة الذراع الرئاسية للست الجماعة الفاشية السرية بعدما تآكل وانفض من حوله فى أشهر قليلة كل هؤلاء الحلفاء والأتباع، واستقال أو هرب أغلب جيش الأعوان والمستشارين الذين بذلوا لفضيلته وجماعته جهودا جبارة وأسدوا لـ«الجريمة الحاكمة» خدمات أسطورية جليلة أراقت ماء وجوههم فى فضاء العدم، وألحقت ببعضهم عارا وشنارا لا يقوى الزمن على محوهما.. ماذا ينتظر الرجل وقد صار فى قصر الحكم مهجورا، ولم يتبق له من سكان هذه الدنيا الواسعة إلا قطعان الأهل والعشيرة، مع حفنة خدامين بائسين أدمن بعض نجومهم الرقص وهز «الوسط» ليلا، والنصب والكذب طول النهار؟!
فى الواقع لست أفهم السؤال أصلا لا سيما أن السيد المسؤول بهذا السؤال و«الست» بتاعته كمان، يبدوان لأى أعمى فى عينه، مبسوطين كده قوى جدا خالص، وكلاهما واضح أنه مرتاح البال ومتهنى تماما، ولا يكاد يدرى بل ولا يهمه إدراك أى شىء مما آل إليه حال البلاد وسوء وبشاعة أحوال العباد!!
والحق أن السيد السائل الطيب لو تحلى بقدر معقول من «الواقعية السحرية» ووضع نفس حضرته مكان نفس حضرة فضيلة «الذراع» وجماعتها، لا أظنه كان سيشعر بمشكلة البتة ولا ثمة «بروبلم» من أى نوع.. فعندما يضحى لون حياة حضرتك «بمبى» فجأة كده، ومن حيث لا تستحق ولا تحتسب، ولما تغادر بين ليلة وضحاها حياة الضنى فى الكهوف المعتمة؟ وتستقر فى قلب النور وحياة العز والفخفخة وتلبس حريرًا فى حرير وتنفتح أمامك أوسع أبواب الاسترزاق المغلقة الآن فى وجه الأغلبية الساحقة من المصريين، ولما يصير أتفه نطع فى عصابة جنابك ميسورًا له الاستوزار و«الاستحفاظ» الفجائى، ودون مناسبة ولا تأهيل أو تعليم تستطيع أنت أو أى واحد من «إخوانك» الفوز بسبوبة واسعة الرزق (بضع عشرات قليلة من آلاف الجنيهات فى الشهر الواحد) سواء من خلال القعاد بالزور والعافية فى مجلس تشريعى فخم لكنه مشوه وباطل، أو بالتمرغ فى نعيم عضوية واحد على الأقل من تلك المجالس العالية أو«الواطية».. ولما يكون متاحا لك أن تختار بمزاجك أية قطعة تعجبك من كعكة آلاف المناصب والوظائف المرموقة المنتشرة فى مفاصل الدولة ومؤسساتها، كيف بذمتك وأنت فى هذه الحال الحلوة الطرية يستطيع القلق التسرب من جلد سيادتك «التخين» إلى ما تبقى من ضميرك وخرائب وجدانك؟ وهل ممكن ينشغل عقلك الفسافيسى بانتظار أى حاجة وتوقع أى احتمال؟! لا تجيب أنت، سأجاوب أنا نيابة عن حضرتك.
فى الحقيقة لو هذه الحال هى حالة العبد لله، فإننى غالبا كنت سأشعر ببعض القلق والاستغراب من قدرة الشعب المصرى على احتمال كل تلك المكاره والبلاوى والمصائب التى هبطت على رأس أهله وسودت عيشته فى أشهر قليلة، وربما كنت سأنتظر على أحر من الجمر أن يأتى صباحا مشرقا جميلا وقريبا، أسمع فيه خبرًا، أن سكان مصر عن بكرة أبيهم استقالوا وهاجروا كلهم وراحوا فى ستين داهية، وتركوا البلد خرابا يبابا، أرتع فيها وأسرح براحتى أنا وأهلى وعشيرتى.. وكل عام وأنتم بخير!!