لا أفهم هؤلاء الذين يرون فى الغرب أو الرجل الغربى داعما لأى ملفات خاصة بالحريات أو بالحقوق الفردية للإنسان.
لا أدرى إن كانوا نسوا، أو تناسوا أن كل من يخاطبونهم من أنظمة غربية، هم فى الأصل مستعمرون سابقون-حاليون- لاحقون. لم نتخلص منهم، بسبب إنسانيتهم الفائقة، أو ضمائرهم التى أوجعتهم، بل فرض عليهم الرحيل فرضا، وعندما تخلوا عن استعمارهم العسكرى، لم يقم كائن منهم بالاعتذار عن مئات السنين من الاحتلال «تركيا» أو سنين أقل «فرنسا، بريطانيا» كما فعلوا مع العديد من الدول الأخرى التى استعمروها، واستعبدوا أهلها- الهند وليبيا، بل استبدلوا باستعمارهم العسكرى، الاستعمار الاقتصادى، واتبعتهم فى ذلك الاستعمار قائدة العالم الغبى «أمريكا».
قامت الحكومة المصرية، فى أثناء تفاوضها الأخير مع ممثلى صندوق النقد الدولى، بعرض الموازنة العامة الجديدة، وذلك قبل أن تطرح للمناقشة فى مجلس الشورى «غير المختص بمناقشتها فى الأصل دستوريا»، وقبل أن تتيحها لجمهور الشعب المصرى، وليت ذلك أرضى السادة فى صندوق النقد، بل بالعكس عابوا عليه أنه غير كاف». السيد الغربى لا يعنيه، حريتك، كرامتك، حقوقك الفردية- الشخصية، ورن سالت بسببها دماء الشعوب، وضحى فى سبيلها بكل معانى الحرية والكرامة «أمريكا اللاتينية كمثال، والبحرين وسوريا مؤخرا».
ما يعنيه فقط هو طبقته السياسية والاقتصادية، التى يمثل مصالحها، ويلقى بقليل من الفتات لبقية شعبه، فقط ليضمن عدم انتفاضهم عليه. فهو لم يتحرك من قبل من أجل أى حريات ستؤذى مصالحه، الرجل الغربى لا يتحرك إلا ليتربح فقط. فلمَ يرفع الحماية عن نظام ذليل، يرأسه تابع، لا أهمية لاحترامه فى نظرهم، فهو اعتاد التسول فى أنحاء الأرض، وتقبل الإهانة دون أن ينتفض؟! ولم استبداله بآخرين، قد يكون لديهم قليل من الكرامة؟! لكن يبدو أن السيد الغربى مطمئن بأن استبدال النظام الإخوانى لن يضره كثيرا، فاستمرار الكثير من قادة ما يسمى معارضة- جبهة إنقاذ أو سلفيين- فى إسقاط سراويلهم أكثر من النظام الإسلامى الحاكم، فقط لكى يخبروا الغرب أنهم بديل جيد، يجيد إسقاط السراويل أكثر من الإخوان. فنجدهم يرفعون عقيرتهم ضد قرض صندوق النقد أمام مؤيديهم، وفى نفس الوقت، جلسات خنوع مع ممثلى نفس الصندوق لاستبدالهم بالنظام الحاكم، لأنهم الأجود -الأقوى- الأكثر شعبية لتمرير القرض.
لا أستطيع فهم عقلية هؤلاء الذين انتظرنا أن يعترضوا على ما يحدث ويقدموا بدائل حقيقية للقرض، فما كان إلا أن ارتفعت أصواتهم فقط، مطالبين بأن لا يضار الفقراء!! اجتمع ممثلون عن الصندوق الدولى، مع عدد من قادة المعارضة -سلفيين وإنقاذ- ولم يكن موقف المنتمين للفكر الليبرالى أو السلفيين مفاجئا لى، بل كان تبديل السيد حمدين لموقفه من القرض هو المثير للتساؤل، أن يكون مرشح سابق للرئاسة، بنى برنامجه على مبادئ يدعوها -اشتراكية- تهدف إلى الاستقلال الاقتصادى، ودعم العدالة الاجتماعية، ثم ينقضه بتصريح مائع -«أى قرض من الصندوق يجب أن لا يؤثر على الفقراء، وأن التمويل يجب أن يستخدم فى استثمارات منتجة». كيف ذلك وهم يعلمون أن لا أحد سيدفع الثمن غير الشعب، وأن حملة أثقال الدين فوق ظهورهم سنكون نحن، ونحن فقط. كأن التبعية الاقتصادية، والسياسية، لا تعنى أى شىء لهم، أو لأنهم وغيرهم من تلك الأجيال التى شاخت، تعودوا على التبعية، إن لم يكن لأمريكا، فهو لروسيا، وإن لم يكن للاثنين، فلأى حاكم إمارة يتدلى كرشه فوق خزائنه. والسيد يشاهد العبيد يتعاركون على فتات مائدته، مستمتعا بمعركة عبيده على إرضائه أكثر وأكثر. السيد الغربى، يحمل لكم لعناته، وأنتم تلهثون وراءه لكى يطعمكم إياها. السيد الغربى أمر أتباعه المصريين بخنق المواطنين، بفرض ضرائب على مرتباتهم، فأطاعوا أمرهم برفع الأسعار واستجابوا.
كل ذلك، لكى يضمنوا رضا ذلك السيد «الذى لن يرضى»، مقدمين له كل الضمانات، كى يعطيهم صك القرض، الذى تكمن أهميته الوحيدة فى أنه اعتراف من المؤسسة العالمية بأن هناك أملا للاقتصاد المصرى، وبالتالى يُطمئن المستثمرين الأجانب، ويعاودوا استثماراتهم، وإن كان ذلك على حساب الشعوب. «على الرغم من كل التنازلات التى قدمها النظام الحاكم، والتى نستطيع رؤيتها فى مستوى الغلاء الذى يرتفع باطراد، وانهيار لقيمة العملة فإن تعليق صندوق النقد الدولى كان -«لا يوجد إحساس بالوقت فى ما يتعلق بإنهاء المفاوضات، وحتى الآن لا يمكن الحديث عن موعد نهائى للتوصل إلى نتائج نهائية قد تسفر عنها المفاوضات، محذرا من أن أرقام الفجوة المالية تتزايد، كما أن حجم القرض لم يتم تحديده بعد». سيدكم الغربى، مل من تقبيلكم لقدميه قبل يديه، أما آن الأوان أن تشيحوا عنه بوجوهكم نظاما ومعارضة؟ أن تحاولوا خلق بدائل جديدة، لاستعماره المستمر؟ أن ترفضوا، الإملاءات، والشروط، ويكون لديكم أى درجة من الكرامة؟ وإن لم يأنِ أوانه لديكم، فقد ولى زمنه عندنا.
وعليه، قرر عدد من الحركات السياسية، وأفراد، بتنظيم مسيرات ومظاهرات تنطلق فى السابع عشر من مايو المقبل، للاحتجاج على الزيادة المفزعة فى الأسعار، وعلى سياسات النظام الحاكم -الإخوان- الهادفة إلى المزيد من الإفقار والتجويع لهذا الشعب، والتى لا تختلف وإن كانت أسوأ من سياسات نظام مبارك المخلوع.
17-5 بداية الرفض للتبعية الاقتصادية ومسلسل الإهانة المستمر.
17-5 مجرد محاولة، لكى نتشبث بكرامتنا، ونرفض امتهانها أكثر من ذلك.