ايجى ميديا

السبت , 2 نوفمبر 2024
ايمان سمير تكتب -وقالوا عن الحرب)مني خليل تكتب -اثرياء الحرب يشعلون اسعار الذهبكيروش يمنح محمد الشناوي فرصة أخيرة قبل مواجهة السنغالايمان سمير تكتب -عيد حبعصام عبد الفتاح يوقف الحكم محمود بسيونيمني خليل تكتب -غياهب الايام الجزء الرابعالمصرى يرد على رفض الجبلاية تأجيل لقاء سيراميكا: لماذا لا نلعب 9 مارس؟مني خليل تكتب -غياهب الايام الجزء الثالثمني خليل - احسان عبد القدوس شكل وجدان الكتابة عنديالجزء الثاني / رواية غياهب الأيام كتبت / مني خليلإحاله المذيع حسام حداد للتحقيق وإيقافه عن العملتعاون بين الاتحاد المصري للدراجات النارية ودولة جيبوتي لإقامة بطولات مشتركةغياهب الايام - الجزء الاول - كتبت مني خليلاتحاد الكرة استحداث إدارة جديدة تحت مسمى إدارة اللاعبين المحترفين،كيروش يطالب معاونيه بتقرير عن فرق الدورى قبل مباراة السنغال| قائمة المنتخب الوطني المشاركة في نهائيات الأمم الأفريقية 🇪🇬 .... ⬇️⬇️اللجنة الاولمبية تعتمد مجلس نادي النصر برئاسة عبد الحقطارق رمضان يكشف سر عدم ترشح المستشار احمد جلال ابراهيم لانتخابات الزمالكنكشف البند الذي يمنع الدكتورة دينا الرفاعي من الاشراف علي الكرة النسائيةوائل جمعة نتتظر وصول كيروش

حكاية ترزى قوانين

-  

حين يسمع العبارة على لسان أحد الشباب الغاضبين، يتخيل نفسه جالسًا إلى ميكنة خياطة. قدماه على البدال، وعيناه ذاهبتان إلى حيث تشاكس الإبرة الثوب، ويده اليمنى على الطارة تحركها ذهابا وإيابا. يقفل جفنيه، ثم ينفجر فى قهقهة صاخبة ترن فى حوائط حجرة مكتبه الناعمة، ثم تتدفق عبر الباب الموارب قليلا إلى الخارج، فتصل إلى أذنى زوجته، فتأتى سريعا، وتقول له:

ـ ضحكنِى معك يا سعادة المستشار.

ينظر إلى المراجع المرصوصة بعناية على أرفف خشبية طويلة متينة، ويقول لها:

ـ أبدا سمعت أحدهم يقول الجملة إياها: ترزى قوانين.

يوم تعيينه فى مجلس الدولة ظهر على صفحات الجرائد مصطلح «ترزية القوانين» كان يسمعه، ويندهش، ويقول لنفسه:

ـ كيف يمكن لقانونى محترم أن يجعل من التشريعات بدلا أو جلابيب أو فساتين؟

وبينما هو غارق فى حيرته المزمنة، رن هاتفه المحمول. كانت المكالمة من رقم خاص، استقبلها متوجسا، لكنه سرعان ما استرد أنفاسه، وارتسم على وجهه سرور بالغ، وهو يتابع منصتا كل ما يقال له، ولا يرد إلا بعبارة واحدة:

ـ حاضر يا أفندم.

حين انتهت المكالمة كانت البهجة قد سكنته، ونادى زوجته متهللا فجاءته مندهشة، وقفت أمامه، فقام إليها، وأخذ وجهها بين راحتيه، وقال لها:

ـ جاءت الفرصة.

وحين وصل إلى المقر الرئيسى للحزب الوطنى وجد نجل الرئيس فى انتظاره. دخل عليه وهو بين رجاله، فلم يمهله لحظة واحدة، وقال له:

ـ نريدك فى أمر عاجل ومهم.

أومأ برأسه دون أن ينطق، وجلس بعد أن أشار إليه أن يجلس، وتطلع بحواسه كلها نحو ذلك الشاب المتعجرف الجالس على رأس طاولة فخيمة، يوزع الأوامر بإصبعه، والنظرات الغاضبة من طرف عينيه، وجميعهم يتمنون رضاه.

التفت يمينه ويساره فلم يلمح رجل قانون غيره، فاطمأن، وفهم من سير النقاش أن السلطة مقبلة على تعديل مهم فى الدستور.

بعد أن أنصت نجل الرئيس جيدا إلى مداخلات الجالسين، التفت إلى المستشار، وقال له:

ـ نريد أن تترجم حصيلة كل هذه المناقشات إلى نص قانونى محكم.

تمتم، وشعر فى هذه اللحظة أنه يتخلى عن شىء عزيز، عاش محافظا عليه، وكان يتباهى به أمام كثير من زملائه، لاسيما أولئك الذين مسهم الفساد، ودحرجهم إلى دهاليزه المظلمة. صمت، وغار فى مقعده، وأومأ برأسه موافقا، واغتصب نفسه فى ابتسامة رضاء.أعطوه كل ما كتبوه، وعاد إلى البيت مكسورا.

بعد يومين قدم لهم ما أهدته إليه قريحته، وجلس ينتظر رأيهم، فانبهروا وأبلغوه برضائهم، وقال له أمين عام الحزب:

ـ الرئيس مبسوط منك.

طار يومها إلى بيته من الفرح، ولولا الوقار الذى ألزم نفسه به على مدار سنين، لوقف فى منتصف الشارع ورقص وغنى وقبل كل العابرين فى جباههم، وهو ما فعله حين أغلق على نفسه باب الحمام بعد أن تجرد من ملابسه.

وبعد ثلاث سنوات طلبوا منه تعديل التعديل، ومواد أخرى إضافية، وانكب فى صبر على مهمته، وقال فى نفسه وهو يمنى نفسه بأن يكون وزيرا للعدل: من يخطب الحسناء لم يغلها المهر.

وحين قامت الثورة بقى فى بيته لا يبرحه، حتى استدعوه ليجلس مع اللجنة التى تنظر فى تعديلات دستورية أخرى وعد بها الرئيس ليهدئ الغاضبين. ارتدى بدلته على عجل، وذهب، وعاد فى آخر الليل إلى مكتبه، ليسهر على ما طُلب منه، وقبل أن ينهيه انتهى كل شىء.

طالع الواقفين فى المشهد الجديد بارتياب، وحط بصره على أكتافهم المرصعة بحصاد السنين، سيوف ونسور ونجوم، وقال لزوجته:

ـ تقدرون وتضحك الأقدار.

ثم قال لنفسه بعد أن اختلى بها فى غرفة مكتبه:

ـ إنها النهاية.

لكنها لم تكن كذلك. أيام قليلة ورن هاتفه، تفرس جيدًا فى الرقم الغريب، ورد بصوت هامس:

ـ ألوووو...

فجاءه من الناحية الأخرى ما جعله يتقافز فى مكانه كقرد جائع:

ـ ندعوك لاجتماع غدا فى التاسعة صباحا مع سيادة المشير.

تقافز من الفرح، وانكب على المطلوب منه بحماس بالغ، وتراصت الأوراق تحت راحة يده مملوءة بكل ما يعيد الأمور إلى الوراء، أو يبقيها فى مكانها.

لكن سيده الجديد لم يلبث أن رحل فجأة، فجاءته الكآبة قاسية هذه المرة، وقال لزوجته:

ـ لم يعد هناك أى أمل جديد.

نظرت فى مقلتيه المختبئتين تحت طبقة كثيفة من الدموع، وقالت:

ـ جراب الحاوى لا يخلو.

رفع هامته إليها وقال بصوت خفيض:

ـ لا أعتقد أن لدى شيئا ينفع القادمين الجدد إلى العرش.

ـ كل سلطان يحتاج إلى ما لديك.

ـ لهم رجالهم.

فضحكت وقالت:

ـ أنت رجل كل العصور.

وخزته العبارة، وشعرت هى أنها كانت قاسية عليه، فجلست إلى جانبه، ومدت يدها تربت كتفه، وحاولت أن تخفف من وطأة كلامها:

ـ أقصد أن خبرة نادرة مثلك من الصعب على أى حكم أن يتجاهلها.

سرت دفقة من الطمأنينة فى نفسه لكلامها، ومد ذراعه وطوق عنقها، ثم قبل جبينها وقال:

ـ أتمنى أن تصدق نبوءتك.

وبعد أسبوع صدقت نبوءتها، حيث رن هاتفه، وكان طالبه الرجل النافذ فى مكتب الإرشاد. وفى اليوم التالى صعد إلى المقطم بقلب منشرح.

التعليقات